تصور سيدي أن تدخل محلا لشراء حذاء أو غترة .. أو ثوب .. تصور أنك بعد أن اخترت ووزنت .. قررت أن تخرج دون أن تدفع الحساب أو تصور أنك دخلت مطعما وملأت بطنك بالكباب والكفتة وشربت زجاجة حاجة باردة .. ثم قمت ولم تدفع الحساب!
إنك - ومعذرة إذا فعلت هذا - "تلم" أو سخيف أو بلطجي .. أو حرامي .. إلى آخر الصفات التي تليق بما فعلت.
هذا هو حال اليوم مع الملاك والمستأجرين .. يأتي المستأجر طائعا مختارا إلى سعادتك ويقدم نفسه ويؤكد رغبته في استئجار شقة في عمارتك .. ويقوم حضرته بإحضار العفش .. وبعدها تأتي الزوجة والأولاد .. وتمتلئ العمارة بضجة السكان ثم يأتي أول الشهر فلا يدفع الإيجار .. وتصبر شهرا .. وشهرا .. وهو يقدم مختلف الحجج والأعذار السخيفة .. ماذا تفعل؟
في البلاد المتحضرة هناك حل .. وفي البلاد المتأخرة هناك حل .. ولكن عندنا ليس هناك حل.
في البلاد المتحضرة تأتي الشرطة من أول بلاغ وتمسك الساكن من قفاه, ويذهب به إلى الحبس لحين نظر القضية .. في البلاد المتأخرة يقوم المالك بإحضار بعض البلطجية ويضرب الساكن الممتنع عن دفع الإيجار .. ثم يلقي بعفشه في الشارع أو يحتجزه ويبيعه تسديدا للإيجارات التي لم تدفع.
في بلادنا العزيزة يذهب الموضوع إلى المحكمة, وتظل شهورا وربما أعواما تطالب بحقك من هذا المستأجر "التلم" .. المماطل .. السخيف!
وقد يكون إيجار هذه العمارة مصدر رزقك الوحيد .. وربما تكون قد اقترضت لتبينها .. فماذا تفعل؟
والحقيقة إن الخلافات والمشاحنات المتكررة بين ملاك العمائر والمستأجرين أحدثت زعزعة في أرضية الاستثمار في شقق الإيجار, وتسبب في عزوف الكثير عن الاستثمار في هذا النشاط ..
فضل الكثير من الملاك ترك شققهم خاوية موقوفة عن التأجير بدلا من أن يخوضوا غمار المماطلة في السداد مع المستأجرين .. ففي مدينة جدة ثمانية آلاف وحدة سكنية خاوية من بين إجمالي 500 ألف وحدة .. رفض أصحابها تأجيرها وفضلوا إغلاقها خوفا من ضياع حقوقهم, بينما وصلت الديون المتعثرة سواء على العقار أو السيارات العام الماضي إلى أكثر من مليار ريال وصل عدد قضايا الإيجارات في المحكمة الفرعية وإلى 1080 قضية.
"عبد الله الأحمري" (نائب رئيس اللجنة العقارية في غرفة جدة وعضو اللجنة الوطنية في مجلس الغرف السعودية) أكد أن اللجنة الوطنية العقارية في مجلس الغرف التجارية قدمت مقترحات للحد من مماطلة المستأجرين مثل العقد الموحد والموثق بين الجهات الشرعية وتخصيص قاطن واحد, وإيجاد قائمة توقف التأجير عند المماطلين وتسجيل أسمائهم في القائمة السوداء وربطها بجميع المكاتب بشبكة إلكترونية تربط بين الغرفة التجارية ومكاتب العقار والجهات الحكومية المعنية ذات العلاقة.
فعلا لا بد من أنظمة قوية تحفظ حقوق الملاك فبعضهم عوائل وأرامل .. يعيشون على هذا الدخل وهو مصدر رزقهم الوحيد .. فليس كل الملاك أثرياء كما يتخيل البعض .. وليس كل المؤجرين بلطجية طبعا.
