معركة من أجل الاقتصاد... قمة ما بعد العشرين

وماذا بعد؟ فلقد انتهت قمة العشرين بقرارات تصحيحية ورقابية للأنظمة المالية, انتهت بدعم منظمات ودول وفي الإجمال دعمت اقتصاديات انكمشت وشارفت على التهاوي... وماذا بعد؟ فلقد فُعلَت القمة قرارات كان يترقبها من اهتزت ثقتهم بالأنظمة المالية العالمية, فأتت نتائجها كلحن الموسيقى الكلاسيكي مطمئناً مريحاً باعثاً بالأمل لمن أنهكته أعاصير الأزمة وأخبار انتكاساتها التي فضحت هشاشة التزاوج بين الساسة والاقتصاديين, فبين الطرفين شُجِعت الابتكارات البنكية وغض المراقب كل أطرافه عن طمع البنوك المتزايدة... وماذا بعد؟ فلقد أنهى الساسة جزءًا مهماً من معالجة هذه الأزمة إلا أن مشوار العلاج لم ينته ولا يزال طويلا، فلا تزال البنوك والشركات تعلن إفلاسها ولا تزال البطالة تسجل صعوداً حاداً ولا تزال بعض الحكومات غير قادرة على دعم اقتصادها أو الحد من تهاوي صناعاتها الأساسية.
ما بعد قمة العشرين قمم للآخرين ممن لم يكن لهم مكان في قمة الساسة واقتصادييهم العشرينية فنقاش القادة العشرين اقتصر على نقاش الآلية المباشرة في التعامل مع الأزمة مثل آلية الرقابة والسيولة وطرق دعم الحكومات لبنوكها وشركاتها, أي أن النقاش كان محصورا على التحديات التي يواجها الاقتصاد العالمي في وقت الأزمة الحالي وكيفية الخروج منها فقط. مع أن القمة العشرينية اللندنية كانت ناجحة في التعامل المباشر مع الأزمة الحاضرة والتي سوف يكون لقراراتها تأثير ملموس في الأشهر القادمة, إلا أن إنهاء الأزمة شيء وتحقيق تفوق اقتصادي بعد الأزمة شيء أخر!
ما بعد الأزمة نمو وفرص لمن أحسن التعرف والفهم لمحرك الاقتصاد العالمي بعد الأزمة, ولمن أحسن تحليل التغيرات الاقتصادية في دول العالم ونجح في توجيه شركاته ومنظماته نحو الاستفادة من محركات النمو ومولدات الفرص. في الوقت الحالي هي مسألة صراع أفكار, فصاحب الفكر الصحيح والدقيق سوف يكون له الحظ الأوفر في استغلال فرص ما بعد الأزمة ومن فاز بهذه الفرص في بدايتها سوف تكسبه ميز تنافسية كبيرة تمتد لعقود قادمة ضد اقتصاديات الدول الأخرى. اليوم اقتصاديات الدول لا تتنافس ولا تتصارع كما كانت, ففي ظل أزمة اقتصادية عالمية كالتي نمر بها تعاد فيها هيكلة الاقتصاد مدفوعة بفكر جديد أنتج كسبب مباشر للتحولات التي أحدثتها هذه الأزمة. إلا أن هذا الفكر لا ينتج بسهولة ولا ينتجه الساسة وحدهم أو الاقتصاديون وحدهم أو رجال وسيدات الأعمال لوحدهم أو الأكاديميون بمفردهم. هو فكر يشترك في عملية إنتاجه الجميع, فكثير من الدول بدأت في مضاعفة القمم والمؤتمرات والمحاضرات المركزة على الأزمة وما بعدها, هذه القمم لا تحظى بالتغطية الإعلامية مثل قمة العشرين فقد لا يحضرها رئيس دولة أو حتى الوزراء, ولكنها تُفتَح لكل المتخصصين والخبراء في المجتمع.
هو صراع أفكار تبنى من خلالها توجهات استراتيجية قد تكون مختلفة بشكل كبير عما قبل الأزمة. صراع الأفكار زادت وطأته بزيادة عمق الأزمة في بعض الدول, فحسب تميز الفكر في أي دولة ستتميز منافسة اقتصادها فالدول الغنية تبقى غنية لعقود بسبب فكرها والدول الفقيرة تبقى فقيرة بسبب فكرها. معركة من أجل الاقتصاد تخاض بالفكر الجيد, معركة من أجل الاقتصاد هو مؤتمر تم دعوتي للمشاركة فيه في العاصمة البريطانية في منتصف الشهر القادم لتتصارع فيه أفكار الساسة والاقتصاديين ورجال وسيدات الأعمال والماليين والأكاديميين من أجل الاقتصاد. المعركة في هذا المؤتمر من أجل الاقتصاد البريطاني الباحث عن فكر يُمكن مؤسساته وشركاته من المنافسة بعد أن تضع الأزمة وزرها, إلا أنني أتساءل عن المعركة من أجل الاقتصاد السعودي, هل توجد؟ وأي فكر يفيدها؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي