ميثاق الطفل في الإسلام والمواثيق الدولية

من عدد من الدراسات الشرعية للمواثيق الدولية الخاصة بالأطفال ما نشرته اللجنة العالمية الإسلامية للمرأة والطفل لتوضيح الفروق التي تتضمنها هذه المواثيق وما هو في التشريع الإسلامي، فعلى مستوى نصوص هذه الاتفاقيات وجدوا أن هناك تناقضا شديدا بين المحتوى والتطبيق في الواقع العملي, فعلى سبيل المثال: في وثيقة عالم جدير بالأطفال المادة رقم 37، التي تنص على مراعاة الخصوصيات الثقافية للسكان، حيث ترى أنه تحقيقاً للأهداف والغايات مراعاة أفضل مصالح الطفل امتثالاً للقوانين الوطنية والقيم الدينية والأخلاقية والأسس الثقافية للسكان. كذلك المادة 7 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تقول: تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقاً لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان. ثم عند وضع الخطط واتخاذ الإجراءات تطالب الدول الالتزام بكل ما جاء في هذه البنود وتطبيقه لتحقيق أهداف الاتفاقية! وفي داخل هذه البنود ما تحفظت عليه الدول الإسلامية والفاتيكان، ومن ذلك حث الدول على تطبيق برنامج الصحة الجنسية والإنجابية للمراهقين والاعتراف بالأسر المثلية، وحقوق الشواذ، مع إباحة الإجهاض والمطالبة بالاعتراف أن للأسر أشكالاً متعددة. و تطلب الدول بسحب تحفظاتها التي لا تتماشي مع أهداف ومقاصد الاتفاقية وحقوق الطفل. وكما ذكرت المهندسة كاميليا حلمي رئيسة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل إحدى لجان المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإرشاد: (هناك سيناريو تكرره الأمم المتحدة للضغط على الحكومات، أولاً تترك أمامها المجال مفتوحًا لوضع تحفظاتها أثناء التوقيع على الاتفاقيات. ثم بعد ذلك الضغط عليها لتصدق على تلك الاتفاقيات في برلمانات الدول، ثم يلي ذلك ممارسة الضغوط على الحكومات لترفع التحفظات (وهذا ليس من حق الأمم المتحدة، ولكن باستخدام سلاح المعونات وحض الدول المانحة على أن تربط المعونات بالالتزام الكامل بتطبيق الاتفاقيات) ثم تأتي مرحلة متابعة الحكومات في تعديل قوانينها الوطنية لتتماشى مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها، وحكوماتنا للأسف تتسم مواقفها بالضعف والاستسلام الشديدين، وأقصى ما يمكن أن تقوم به هو التمسك بالألفاظ المطاطة وعدم تخصيصها، حتى يمكن أن تفسرها كل حكومة كما تريد، كنوع من التعامل المؤقت مع تلك القنابل الموقوتة الكامنة في الوثائق الدولية، التي ستنفجر في الوقت الذي تحدده الأمم المتحدة، وستدفع الشعوب ثمن تهاون مندوبي الحكومات في الأمم المتحدة وتفريطهم في حماية ثوابت الأمة والدفاع عنها). ولأن بعض الدول العربية قد أحدثت تعديلات أو في سبيل إحداثها بما يتفق ومحتوى هذه المواثيق الدولية دون الحرص على أن تكون هناك رؤية شرعية لكل بند ومعرفة إلى أي مدى لا يتناقض مع محتوى التشريع الرباني وليس (الوضعي)، رغم أهمية هذه الرؤية الشرعية، فليس شرطا أن نقوم بالتنازل عن شرعنا مقابل الأخذ بهذه الاتفاقيات وما تتضمنه من مآخذ شرعية, لأن معظم هذه التعديلات التي تتم ليست للأسف نابعة من الشريعة الإسلامية التي نص عليها الدستور، في تلك المجتمعات ومنها مصر والمغرب، إنما مرجعيتها الاتفاقيات والقوانين الدولية التي وقعت عليها معظم الدول العربية منذ سنوات، رغم أن بعض نصوص هذه الاتفاقيات تمثل هذه التناقضات كالاعتراف بحقوق الوالدين وواجباتهم مع غيرهم ممن يوفرون للطفل الرعاية كما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المادة الخامسة والمادة 14 من وثيقة عالم جدير بالأطفال، التي تعترف بمسؤولية الأسرة عن حماية الأطفال وتنشئتهم ونمائهم ثم تدعو المادة 31 إلى التزام الدول بإنشاء وتعزيز هيئات وطنية (خارج نطاق الأسرة) كتعيين أمناء مستقلين للأطفال عند الاقتضاء وحماية حقوق الأطفال وهو ما يعني إضعاف سلطة الآباء وتقوية سلطة الأطفال على ذويهم بمقاضاتهم، مما يضعف ما بين الطفل وأسرته من وشائج رحمية وعلاقات ود وتراحم نحو الآباء.
إن المرجعية لهذه الاتفاقيات الدولية هي الثقافة الغربية المستمدة من الفلسفة الوضعية المادية وما واكبها من إطلاق للحريات دون تقييد, وبالتالي نجد أنها تطلق الحريات كافة للطفل الذي تم توصيف عمره وتحديده بسن الـ 18، وهذا التحديد يقلل من المسؤولية الجنائية على الطفل، حيث تنص المادة 111 إذا ارتكب الطفل ـ الذي تجاوز سنه 15 سنة ولم تجاوز 18 سنة (15 - 18) ـ جريمة عقوبتها الإعدام، أو السجن المؤبد، أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن؛ فإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. ويجوز للمحكمة ـ بدلاً من الحكم على الطفل بعقوبة الحبس ـ أن تحكم بإيداعه إحدى المؤسسات الاجتماعية مدة لا تقل عن سنة؛ طبقًا لأحكام هذا القانون. ويرى الدكتور محمد مختار المهدي، أن تخفيف العقوبة بهذا الشكل، يؤدي إلى تشجيع المراهقين على ارتكاب الجرائم والجنايات والجنح، مع أن الإسلام يجعل "البلوغ" منوط التكليف. لقد ألقى القرآن حكماً تكليفيا على الصبي بمجرد بلوغه بغضّ النظر عن سنه، حيث جاء فيه: ((..وإذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)) (النور/ 59)، وجعل المسؤولية الجنائية مسؤولية فردية ((وكُلَّ إنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)) (الإسراء/ 13). وإذا استعرضنا مصطلحي الصحة الجنسية والإنجابية سنجد أن هذين المصطلحين في معظم الوثائق الخاصة بالمرأة والطفل الصادرة من الأمم المتحدة منها ما جاء في وثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد في القاهرة، حيث يطالب بمنح المراهقين حقوقا جنسية وتوفير المعلومات الجنسية لهم وتعليمها لهم، حيث يقول نص الوثيقة (وعلى البلدان بدعم من المجتمع الدولي أن تحمي وتعزز حقوق المراهقين في التربية والمعلومات والرعاية المتصلة بالصحة الجنسية والتناسلية). كما تدعو إلى إزالة جميع العوائق القانونية والتنظيمية والاجتماعية التي تعترض سبيل توفير المعلومات والرعاية الصحية والتناسلية للمراهقين وحصول المراهقين على الخدمات والمعلومات التي يحتاجون إليها، وضمان حقوقهم في الخصوصية والسرية والاحترام والموافقة. كما تطالب بتدريس الجنس في المراحل التعليمية كافة، ونشر الثقافة الجنسية في وسائل الإعلام، والمطالبة بتحديد النسل عن طريق توفير موانع الحمل والإجهاض، وتشجيع العلاقات الجنسية المأمونة من الحمل خارج الزواج والتثقيف الجنسي للناشئين والمراهقين. كما تؤكد وثيقة (عالم جدير بالأطفال) أيضا ضرورة الالتزام بنتائج مؤتمرات القمة التي عقدتها الأمم المتحدة، منها مؤتمر الشباب والتنمية في القاهرة ومؤتمر بكين الأول و(بكين + 5). وهذه الوثيقة ـ عالم جدير بالأطفال ـ نجد القاسم المشترك بين هذه الوثائق هو توفير خدمات الصحة الإنجابية والجنسية للمراهقين وخاصة الطفلة الأنثى، فهل هذه حقوق للأطفال تتفق مع تشريعاتنا الإسلامية؟! وهل تحفظات الدول الإسلامية التي وقعت وصادقت عليها ستكون مفعلة؟ أم أن التدخلات ستتكرر كما حدث عند تدخل منظمات حقوقية غربية في محاكمة مصر عددا من الشاذين قبل أعوام، وطالبت بعدم مصادرة حرياتهم!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي