تعاني سوق العمل السعودية ظاهرة التستر في أوساط العمالة الأجنبية, خصوصا تلك التي تستقدم عن طريق رخص صادرة من البلديات أو عن طريق مؤسسات صغيرة جلها مؤسسات وهمية، تلك الحقيقة يعرفها من يتابع سوق العمل, وربما أن وزارة العمل تعلم بذلك أيضا، فهي تعلن من حين إلى آخر عقوبات على بعض تلك المنشآت وتقوم بالتفتيش عليها من حين إلى آخر.
من أهم الأسباب التي ساعدت على ظهور التستر في سوق العمل هي عدم ممارسة الكفيل, ونقصد به مالك المؤسسة الصغيرة أو المحل, نشاطه بنفسه واعتماده على تلك العمالة لإدارة العمل مقابل مبلغ متفق عليه تدفعه تلك العمالة للكفيل أو أنها تعمل لحسابها الخاص مقابل رسوم يفرضها الكفيل عند تجديد الإقامة, وفي صورة أخرى تعمل بعض العمالة المتستر عليها في منشأة الكفيل بعد أن يقوم بتجهيزها مقابل إيجار شهري متفق عليه، وفي جميع تلك الصور يبرز السبب الذي ذكرناه في أشكال متعددة.
لا شك أن التستر يعد مخالفة صريحة لنظامي العمل والإقامة وتنتج عنه أضرار اقتصادية وأخرى أمنية وصحية، فبعض العمالة تحقق مكاسب كبيرة من عملها في السوق السعودية تتجاوز ما يحصل عليه كبار التنفيذيين السعوديين، وبعضها الآخر استغل عدم وجود رقابة ومتابعة الكفيل في التكسب الممنوع، كما أن بعض العمالة التي تعمل في نشاطات تتطلب اشتراطات صحية صارمة لا تلتزم بذلك, كما يحصل في بعض المطاعم أو محال الحلاقة أو المعامل التي تنتج بعض أنواع الأغذية في البيوت الشعبية.
إذا أردنا أن نعالج التستر لا بد أن نتفهم الأسباب التي أسهمت في ظهوره والتعاطي معها كحقيقة لا أن نلتف عليها بالتركيز على النتيجة فقط، مثل القول إن التستر ممنوع, ومن يضبط متسترا يطبق عليه النظام ونغفل عن معالجة الأسباب الحقيقية التي أبرزته وجعلت منه ظاهرة مزعجة ذات تداعيات سلبية.
وواضح أن الأجنبي الذي يعمل بالتستر لا يختلف عن الأجنبي الذي حصل على رخصة من هيئة الاستثمار إلا بحجم رأس المال المستثمر, فكلاهما يعمل لحسابه الخاص، لكن الأول يعمل دون تصريح نظامي, بينما الآخر يعمل لحسابه بتصريح نظامي ويدفع للخزانة العامة ضرائب على أرباحه ويكفل نفسه، من هنا يتبين أن أنظمة العمل والتجارة والاستثمار المطبقة لدينا ساعدت من دون قصد على انتشار التستر بسماحها ودون قيود بافتتاح محال ومؤسسات فردية تزيد على الحاجة في أحيان كثيرة ولا يمكن ضبطها أو التفتيش عليها لكثرتها.
كما أن عدم ممارسة صاحب التصريح أو المنشأة العمل بنفسه جعل من التستر تجارة رائجة بين العاطلين عن العمل وأصبحوا يتسابقون على افتتاح مزيد من تلك المحال والمؤسسات لهذا الغرض فقط.
لن نستطيع مواجهة ظاهرة التستر بالطرق المتبعة حاليا لكننا نستطيع مواجهته بدراسة الأسباب التي ساعدت على انتشاره بهذا الشكل والعمل على سد الثغرات النظامية التي أسهمت في إيجاده في الأنظمة كافة ذات العلاقة، وينبغي ألا ننسى عند التصريح لأي محل أو مؤسسة فردية أن نوفر عملا للمواطن صاحب الترخيص قبل العمالة التي سيستقدمها.
