قد لا يحدث أبدا أن يكون العالم خاليا من الأسلحة النووية، ولكن قد يكون من الأمن محاولة تحقيق ذلك
إذا كان باراك أوباما يأمل أن تحشد رؤيته لعالم خال من الأسلحة النووية التأييد لقضية أمريكا الجديدة، فقد خاب أمله بسرعة كبيرة. فقد كان إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ استباقي في الخامس من نيسان (أبريل) - قبل ساعات من خطاب أوباما الذي حدد فيه حلمه نحو عالم خال من الأسلحة النووية في براغ - أمرا متوقعا منذ فترة طويلة من نظام يعتبر انتهاك القوانين وسيلة تسلية وطنية. ويزعم رئيسها، كيم جونغ إيل، أن أحدث صاروخ له أطلق قمرا صناعيا يصدح الآن بأغان وطنية من الفضاء. ويقول آخرون إنه أجرى اختبارا لصاروخ قادر على حمل رؤوس نووية يبلغ مداه 3.200 كم (2.000 ميل) قبل أن يسقط في المحيط الهادئ. وجاءت خيبة الأمل بعد ذلك بساعات حين منعت الصين وروسيا توجيه أي انتقادات لكيم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قائلتين إن لديه الحق في الحصول على برنامج فضائي، على الرغم من وجود قرار للأمم المتحدة من المفترض أنه يحظر إطلاق الصواريخ.
وتعتبر مثل هذه الأنشطة السياسية مجرد إجراء واحد من إجراءات تحقيق الهدف الصعب المتمثل "بالوصول إلى الصفر". ويعترف أوباما بأنه قد لا يتم تحقيق رؤيته بعالم خال من الأسلحة النووية خلال فترة حياته. وقد يضيف المتشككون بذلك أنه قد لا يتم تحقيق ذلك خلال فترة حياة أطفاله أيضا. ومن أجل طمأنة الحلفاء المتوترين الذين يعتمدون على أمريكا لحمايتهم، أوضح كذلك أنه طالما ظلت الأسلحة النووية موجودة، ستبقى أمريكا رادعا فاعلا خاصا بها.
هل رؤية أوباما إذن مجرد شعارات؟ في أسوأ الحالات، أليست تلك الحيلة، أي عالم خال من الأسلحة ولكن ليس الآن، التي تستخدمها جميع القوى النووية المعترف بها رسميا- روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين أيضا- للتمسك بقنابلها؟
قد يتحقق الأمن قبل الوصول للصفر
لا يمكن ببساطة التخلص من الأسلحة النووية عبر التمني أو إلغاء اختراعها. فقد تم اختراع هذه التكنولوجيا قبل 60 عاما، كما أن المواد والمهارات اللازمة لها واسعة الانتشار. ومع ذلك، فإنه عن طريق مزج المثالية بجرعة من الواقعية، يستطيع أوباما فعل المزيد لإيجاد عالم أكثر أمنا مما تستطيع شعارات "منع القنبلة" البسيطة تحقيقه.
والتخلص تماما من الأسلحة النووية لن يكون مجديا إذا كان سيعرّض العالم للحروب التقليدية واسعة النطاق التي دامت معظم أوقات النصف الأول من القرن العشرين. فما عدد القنابل اللازمة لمنع حدوث ذلك؟ وما أوجه التعاون والضوابط اللازمة لمنع استخدام الأسلحة المتبقية؟ من الصعب معرفة أي نوع من المستقبل النووي سيكون أكثر استقرارا وسلما إلا إذا اقتربنا أكثر من مرحلة الوصول إلى الصفر. ولحسن الحظ، فإن الخطوات الصعبة اللازمة للوصول بأمان إلى أعداد قليلة من الأسلحة هي نفسها الخطوات اللازمة للوصول إلى مرحلة الصفر. وستكون رؤية أوباما مفيدة إذا جعلت الناس يفكرون بطرق إبداعية للمضي قدما.
إن أوباما ملتزم بالفعل باستخدام هدف الوصول إلى الصفر لتشكيل الخطط النووية المستقبلية. ولا تزال كل من أمريكا وروسيا تملكان رؤوسا حربية نووية أكثر مما تريد أي منهما. وحتى جورج بوش، الذي لم يكن يدعو إلى نزع السلاح، تفاوض على تخفيضات حتى 1.700-2.200 لكل منهما بحلول عام 2012 (بعد أن كانت 6.000 تم الاتفاق عليها بعد انتهاء الحرب الباردة) وكان مستعدا للمزيد من التخفيض. ومن المشجع أن أوباما ونظيره الروسي، ديميتري ميدفيديف، اتفقا على تخفيض متواضع على طول خطوط قواعد احتساب عدد الأسلحة بحيث يتم تحديدها بحلول نهاية هذا العام، وعلى أن يتبع ذلك تخفيضات أكبر. وتعمل جميع القوى النووية الخمس الرسمية، باستثناء الصين، على تخفيض ترساناتها أيضا.
إلا أن هناك أخطارا نووية أخرى في تزايد. ففي الوقت الذي يعتبر فيه عدد أكبر من الحكومات القوة النووية المدنية بوصفها مصدرا للكهرباء النظيفة، هناك حاجة إلى وضع ضوابط أكثر صرامة ومخططات جديدة أخرى للمساعدة على منع حالات الاحتيال المحتملة أو منع الإرهابيين من استغلال أو سرقة بعض التكنولوجيات التي قد تساعد على الانتشار أو مواد تصنيع القنابل. ولا تشمل حالات الاحتيال كوريا الشمالية فقط، التي انسحبت من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وفجرت قنبلة خاصة بها، بل أيضا إيران (التي لا تزال في المعاهدة ولكنها تتحدى دعوات الأمم المتحدة لوقف نشاطها النووي المشتبه به)، وسورية وغيرها. وتقدم فترة الاستعدادات لمؤتمر استعراض معاهدة حظر الانتشار المقبل، الذي يتم عقده كل خمس سنوات، فرصة لدعم نظام حظر الانتشار المهترئ. إلا أن هناك دولا أخرى غير نووية أعضاء في معاهدة حظر الانتشار وموقفها أفضل من دول مثل إيران، تقاوم ذلك. وقد تضيع هذه الفرصة ما لم تتخذ القوى النووية الرسمية خطوات لدعم جانبها من معاهدة حظر الانتشار النووي التي تلزم تلك القوى بالعمل نحو التخلص من أسلحتها النووية مقابل منع آخرين من السعي للحصول على القنبلة. وقد تنهار المعاهدة.
والتخلص من الرؤوس الحربية ليس هو الجزء الأصعب. ويقول أوباما إنه سيعيد تقديم معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية إلى مجلس الشيوخ للمصادقة عليها (تم رفضها عام 1999 في تصويت حزبي)، وهو أمر رفض بوش أن يفعله. وهو يريد أيضا البدء في المفاوضات التي طال تأجيلها حول معاهدة يمكن دعمها لإنهاء إنتاج المواد الانشطارية للأغراض العسكرية. ولكن لا يستطيع أوباما وحده أن ينجح في أي من هاتين الجبهتين. ويجب على دول أخرى، وليس فقط أمريكا، تغيير أساليبها أيضا.
إن حظر التجارب النووية بدعم من معاهدة يتم التوصل إليها هو في صالح أمريكا. وقد وقعتها بالفعل العديد من الدول الأخرى. ومن المرجح أن تصادق الصين على الحظر إذا فعلت أمريكا ذلك، إلا أن باكستان لن توافق على حظر التجارب ما لم توافق الهند (كلتا الدولتين، مثل إسرائيل، مسلحتان نوويا، ولكنهما خارج معاهدة حظر الانتشار النووي)، ولا يمكن للمعاهدة أن تدخل حيز النفاذ بالكامل دون تلك الدول ودون كوريا الشمالية العدائية. وبصورة مماثلة، عرقلت إيران وباكستان الجهود الرامية لحظر تصنيع المواد الانشطارية المستخدمة في تصنيع القنابل؛ وتدعم الهند رسميا هذا الحظر، حيث تعلم أن دولا أخرى ستعرقلها.
الأخطار المقبلة
هذه هي درجة خطورة نزع السلاح اليوم المليء بالأخطار والألغام. والعالم المستقبلي الذي يحتوي على أعداد أقل بكثير من الأسلحة النووية يفرض أخطارا جديدة. ففي حين أن أمريكا وروسيا تقتربان من تحقيق هدف أن يكون لكل منهما 1.000 رأس حربي، سترغبان في أن تضع بريطانيا وفرنسا والصين ترساناتها الأصغر حجما على طاولة المفاوضات أيضا. ولطالما قالت بريطانيا إنها ستفعل ذلك، ولم تقل الصين وفرنسا ذلك. ولكن ماذا عن الهند والباكستان وإسرائيل وغيرها؟
ومع انخفاض أعداد الأسلحة، سيتساءل الحلفاء عما إذا كانت المظلة النووية الأمريكية ستمتد إلى مسافة كافية. وستكون دفاعات الصواريخ، القضية التي تثير الخلاف اليوم بين أمريكا وكل من روسيا والصين، ضرورية لدعم الثقة ضد التهديدات غير المتوقعة. ولكن كيف يمكن التفاوض عليها ونشرها بطرق لا تقوض الاستقرار النووي؟
وأوباما معه حق. فهذا وأكثر من هذا هو نتاج عقود من العمل. وقد لا يصل العالم أبدا إلى مرحلة الصفر. ولكنه سيساعد على جعل الأمور أكثر أمانا إذا كان هناك عمل جماعي. وإذا ظلت كوريا الشمالية وإيران تعتمدان على حماية الصين وروسيا في انتهاكهما للقوانين، سيكون التقدم ضئيلا جدا.
