تتعرض قواعد المحاسبة للهجوم. ويجب على واضعي المعايير الدفاع عنها وينبغي على السياسيين والبنوك التراجع
يلوم المصرفيون أنفسهم في العلن بسبب المشكلات التي وقعوا بها. ولكنهم خلف الكواليس يستهدفون أشخاصا آخرين، وهم واضعو معايير المحاسبة. وتشتكي المصارف من أن قواعدهم أجبرتها على الإبلاغ عن خسائر هائلة، وهذا ليس عدلا. وتنص هذه القواعد على ضرورة قيامهم بتقييم بعض الأصول بسعر قد يدفعه طرف ثالث، وليس بالسعر الذي يريد المديرون والمنظمون أن تحصل عليه البنوك. ومن المؤسف أن ضغط البنوك لكسب التأييد بدأ ينجح الآن كما يبدو. وقد تكون التفاصيل غامضة، إلا أن استقلال واضعي المعايير، الضروري لكي تعمل أسواق رأس المال على نحو صحيح، معرض للخطر. وما لم تأخذ البنوك الأصول السامة بأسعار تجتذب المشترين، سيكون من الصعب إنعاش النظام المصرفي.
وفي الثاني من نيسان (أبريل)، بعد مواجهة مؤلمة مع الكونغرس، أجرى مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي على عجالة تغييرات على القواعد. وقد منحت تلك التغييرات البنوك حرية أكبر في استخدام نماذج لتقييم الأصول غير السائلة ومرونة أكبر في الاعتراف بالخسائر للأصول طويلة المدى في بيانات الدخل الخاصة بها. وشجب Bob Herz، رئيس مجلس معايير المحاسبة المالية، أولئك الذين "يطعنون في دوافعنا". إلا أن أسعار أسهم البنوك ارتفعت وعززت التغييرات ما تصفه إحدى مجموعات الضغط بـ "استخدام الحكم السليم من قبل الإدارة".
وطالب الوزراء الأوروبيون على الفور أن يفعل المجلس الدولي لمعايير المحاسبة الشيء نفسه. ويقول المجلس الدولي لمعايير المحاسبة أنه لا يريد أن يكون "متجزئا"، إلا أن الضغوط لاستسلامه حين يستكمل إصلاحه للقواعد في وقت لاحق من هذا العام قوية. وفي الأول من نيسان (أبريل)، حذر Charlie McCreevy، المفوض الأوروبي، المجلس الدولي لمعايير المحاسبة بأنه لا "يعيش في فراغ سياسي" بل في "العالم الحقيقي" وأن أوروبا قد تضع قواعد مختلفة.
إلا أن البنوك هي التي تعيش في كوكب آخر، بحساباتها التي تفوق بصورة مبالغ بها قيمة الأصول. وتقول اليوم إن أسعار السوق تبالغ في الخسائر، لأنها تعكس إلى حد كبير انعدام السيولة المؤقت للأسواق، وليس الحجم المحتمل للديون السيئة. ولن تعرف الحقيقة لسنوات عديدة. ولكن يتم تداول أسهم البنوك بسعر أدنى من القيمة الدفترية، مما يشير إلى أن المستثمرين متشككون. وتعكس الأسواق الميتة إلى حد ما شلل البنوك التي لن تبيع الأصول خوفا من الخسائر، ولكنها مع ذلك مترددة في شراء كل الصفقات المفترضة.
ولجعل النظام يعمل مرة أخرى، يجب الاعتراف بالخسائر والتعامل معها. فقد أدت مماطلة اليابان إلى إطالة فترة أزمتها. ولن تنجح خطة أمريكا الجديدة بشراء الأصول السامة إلا إذا أعادت البنوك تقييم الأصول لمستويات تجتذب المشترين. وتتطلب الأسواق الناجحة أن يكون واضعو المعايير مستقلين وعدائيين. وهذا بالضبط ما يتميز به مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي والمجلس الدولي لمعايير المحاسبة، حيث تضع القواعد لخيارات الأسهم والمعاشات التقاعدية مثلا مقابل العداء من جماعات المصلحة الخاصة. ولكن من خلال استرضاء النقاد الآن، يجلبون على أنفسهم المزيد من الضغوط لتقديم تنازلات أكبر.
الكشف وليس التنظيم
ويجب على واضعي المعايير حل الجدل عن طريق توضيح أن مهمتهم ليس تنظيم البنوك بل إجبارها على الكشف عن المعلومات. ويبدو أن البنوك وهيئات التنظيم التي تشرف على كفاية رأسمالها والسياسيين يحلمون بنسخة واحدة من الحقيقة، ما يعزز الاستقرار المالي. إلا أن المستثمرين والمحاسبين يعتقدون أنه يجب أن تكون جميع التقييمات ذاتية، ويشككون بدوافع المديرين، ويعتقدون أن أسعار السوق هي أقل الخيارات سوءا. وهم على حق. فقدرة البنك على الوفاء بالتزاماته المالية هي مسألة اجتهاد بالنسبة لمنظمي البنوك والمستثمرين فيها، وليس كما توحي أي ورقة موقعة من قبل مدققي الحسابات. ويمكن للحسابات أن تمنح معلومات كافية تساعد على اتخاذ القرار، ولكنها لن تكون الحاسمة في اتخاذ القرار.
ويجب على منظمي البنوك تحمل المسؤولية. وإذا أرادوا التخلص من الصلة التلقائية التي تربط الانخفاضات في أسعار السوق ونقص رأس المال في البنوك، عليهم قبول الحسابات التي وضعها واضعو المعايير للمستثمرين وتعديلها حين يحسبون رأس المال. وهم يفعلون هذا بالفعل إلى حد ما. إلا أن حملة البنوك لتغيير القواعد أدت إلى إيجاد شقاق محتوم بين مجموعتين من الحسابات، الأولى للمنظمين والثانية للمستثمرين. وقد يساعد مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي والمجلس الدولي لمعايير المحاسبة المنظمين على وضع أية ميزانية يريدونها. ولكن عند فعل هذا، لا ينبغي عليهم التنازل عن مهمتهم للمستثمرين.