Palestinian scarf
قبل 6 سنوات ومن قلب غابات الأمازون، , رسم أحد الرسامين البرازيليين ذات يوم أحد أبطال الثورة الكوبية(تشي جيفارا) وهو يرتدي كوفية حول رأسه. لم تمض أيام قليلة حتى أتبع غاندي بموضة الكوفية الفلسطينية. ومنذ حينها أضحى رسام "أحراش الأمازون" رمزا للنضال الفني بأعين معجبيه في أصقاع الكرة الأرضية. فقد كان كارلوس لتوف من أوائل الرسامين العالميين الذي أدخل ثقافة "الكوفية" العربية بفن الكاركتير . وبعدها تبعه في هذه الموجة بعض الرسامين الأوروبيين على رأسهم الشاب البلجيكي (بينجامين هين). فالكوفية أصبحت الآن أكثر من مجرد كوفية مخططة بالمربعات الصغيرة.
#2#
الكوفية التي يراها المشاهدون تغطي وجوه الأولاد الذين يقذفون الحجارة على الجنود الإسرائيليين، وتغطي أجساد الأطفال الرضع الذين اخترقت أجسامهم الرصاصات، وتظلل مؤخرة العنق لمزارعي الزيتون، تظهر الآن في معارض الأزياء ومحال الأثرياء في نيويورك.
و الكوفية ، التي يرى بعض الغربيين أنها بمثابة "رمز " للتطرف الإسلامي، هي عبارة عن قطعة من القماش مساحتها نحو 350 سنتمتراً مربعاً. وهي تشاهَد في العادة على رؤوس الرجال في الشرق الأوسط، وكانت من الناحية التاريخية مجرد غطاء يقي الرأس من حر الشمس اللاهب. ولكنها الآن تحمل معنى أعمق بكثير من أصلها التاريخي.
ويخشى العرب أن يُخفي الشباب الغربي القيمة الجمالية للكوفية، الأمر الذي يساهم في الالتفاف على روح المقاومة المنسوجة في كل خيط من خيوطها
تقول جميلة جبر، وهي فلسطينية وتدرس في جامعة تورنتو: "أشعر بالانزعاج كثيراً إذا انتشرت الكوفية على نطاق واسع وأصبحت لباساً عادياً، لأنك حين ترى الآن شخصاً يضعها على رأسه فإنك لا تعلم إن كان يرتديها للتضامن مع الفلسطينيين أو لمجرد أنها من الموضة".
إن انتقال الكوفية من رمز للمقاومة إلى موضة رائجة ليست هي الحالة الأولى من هذا النوع. خذ مثلاً كيف أن قمصان تشي جيفارا كانت فيما مضى يلبسها الناس كرمز للمقاومة. أما اليوم فإن القمصان التي من هذا القبيل تباع مقابل 15 دولاراً لأشخاص لا يعلمون شيئاً عن الحروب الثورية الكوبية .
##عرفات و البداية
#3#
الكوفية المخططة بالأبيض والأسود أصبحت رمزاً دولياً للنضال الفلسطيني حين ارتداها ياسر عرفات للمرة الأولى في الستينيات، ومنذ ذلك الحين ازدادت مكانتها لتصبح ظاهرة عالمية وانفصلت بصورة متزايدة عن الأرض وعن الكفاح الذي ولدت بداخله.
إن تحول الكوفية الشرق أوسطية، التي يمكن مقارنتها بقلنسوة لعبة البيسبول لدى الغرب ،لتصبح رمزاً للتضامن جاء مع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وأصبحت الكوفية رمزاً للهوية القومية للفلسطينيين. وابتداءً من ستينيات القرن الماضي كان مسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية وأعضاؤها ، يرتدون الكوفية أينما ذهبوا.
وفي التغطية الإعلامية الدولية للانتفاضة الأولى كانت تظهر باستمرار صور المدنيين الفلسطينيين وهم يقذفون الحجارة ويضعون الكوفية بحيث تغطي وجوههم أو رقابهم. ولكن فيما بعد لم تكن الكوفية منتشرة إلا بين الناشطين واللاجئين الفلسطينيين. أثناء الانتفاضة الثانية لعام 2000، بدأ التعاطف مع الفلسطينيين يزداد وأصبحت الكوفية سبيلاً لإظهار التضامن مع الفلسطينيين.
## الكوفية رمز الكبرياء العراقي
"حين كان يجري احتلال العراق بأعنف الطرق، كانت الكوفية، أو الشماغ كما نطلق عليها في العراق، تحمل رمز الكبرياء والكرامة للشعب العراقي والرائحة الزكية للأرض العراقية. إنني أضع بغداد حول عنقي، تماماً مثلما أنني أحملها في قلبي". ، كما يقول أحمد حبيب، وهو لاجئ عراقي وعضو في الجمعية الموسيقية ’المقاومة الثقافية العربية‘. ويتابع خلال حديثه مع صحيفة "ذا ستار" الكندية: "الكوفية امتداد بصري لنضالنا، أي أنها سبيل لتكون شوكة في عنق الصمت. في كل مكان، من العالم العربي إلى تورنتو، يرتدي الناس ما يرتدون ليعطوا صورة عن العالم من حيث الانسجام وعدم الاكتراث. والكوفية تقف في وجه ذلك".
##الخطر القادم من الشعب الأصفر
#4#
في أحد معامل حياكة الكوفيات في مدينة الخليل، يشعر ياسر الحرباوي بالقلق الشديد حيال الزحف الصيني للاستيلاء على " كوفية" الأجداد. و وياسر ليس وحده في ذلك، فجميع شركات الحياكة القابعة في الضفة الغربية
تعاني الآن من المنافسة مع الكوفية (الصينية)التي تستوردها السوق الفلسطينية .
يقول ياسر،وهو يرتدي الكوفية وثوباً رمادياً يصل إلى كعبيه، وجاكتة رياضية، وصندلا بنيا، وهو اللباس المعتاد للرجال الفلسطينيين من أبناء جيله، " إنني أبيع الكوفية بسعر يقل عن خمسة دولارات (3.5 يورو) للقطعة".
ولم يكن يعلم أن Urban Outfitters، وهي شركة ملابس وأزياء فاخرة لها عدة فروع في الولايات المتحدة، تبيع الكوفية بأربعة أضعاف السعر الذي يبيع به.
وفي إشارة رمزية إلى إدراك الشركة لشعبية الكوفية لدى الناشطين فإنها قامت بتسويقها على أنها "كوفية للذين يناهضون الحرب"، إلى أن أُرغِمت على سحبها من المحال وأصدرت اعتذاراً عاماً وسط شكاوي من الهيئات المؤيدة لإسرائيل.
يقول جهاد أبو رميلة،أحد التجار : "الشباب يفضلون أن يضعوا الكريم والجيل على رؤوسهم" .
على الجانب الآخر من الشارع يجلس محمد المحتسب، منحنياً على مقعده، عيناه واسعتان في وجه تحيط به كوفية مخططة بالأبيض والأسود. هذا اللباس تعودت عليه حتى قبل أن يبدأ الصراع العربي الإسرائيلي.
بينما يقول محمد: "عمري تسعون عاماً، وأنا أرتدي الكوفية طول حياتي. إنها جزء من رأسي" .