ضحايا المساهمات الوهمية تحركوا في كل الاتجاهات لاستعادة أموالهم دون جدوى, وتشتت جهودهم بعد أن غاب القائمون على تلك المساهمات, ولم تجد نفعا معظم الإجراءات لأنها جاءت لاحقة وفي وقت متأخر، وقد كان من المهم جدا توحيد جهود الجهات الرسمية لمعالجة المشكلة التي تضخمت وابتلعت معها مدخرات وأضاعت أموال صغار المستثمرين, فكان إنشاء لجنة متخصصة في وزارة التجارة هو الحل الأفضل, ليتم العمل على استعادة الأموال أولا, ثم تحديد المسؤولية وتفريد العقاب على القائمين على تلك المساهمات كل حسب دوره في الاحتيال. واليوم بعد أن أُقفل باب الاحتيال بالمساهمات العقارية لا يزال بعض ضعاف النفوس يبحثون عن باب يلجون منه, فقد أصبح الترخيص بفتح مساهمة يخضع لإجراءات احترازية ووقائية, وتحت رقابة مشددة من عدة جهات, فكان البديل أن ترحّل تلك المساهمات إلى الخارج لأنها لم تعد تجد بيئة خصبة للاحتيال واستمرار الخداع.
لقد بادرت وزارة التجارة إلى التحذير من الانسياق خلف مساهمات عقارية في الخارج يتم الإعلان عن تسويقها في الداخل, وهي ممنوعة نظاما, لأنها تتجاوز الدور الرقابي والإشرافي للجهات الرسمية، حيث يتوقع المخططون للاحتيال أن وجود المساهمة العقارية في الخارج يخرجها من سلطة القانون السعودي, بينما يكشف هذا الأسلوب الاحتيالي عن محاولة للالتفاف على القانون واستغلال ثقة صغار المدخرين الذين لم يعوا الدرس, وأولئك الراغبين في تنمية رؤوس أموالهم البسيطة, التي تصبح رصيدا ضخما إذا تم الإيقاع بأكبر قدر ممكن من العملاء.
وهناك أيضا محاولات ترويج إنشاء شركات وتأسيسها بأموال الجمهور, ولأن الهدف هو الحصول على الأموال بأي طريقة كانت, فإن علينا أن نتوقع تعدد أساليب الاحتيال وتنوع مجالاته، ولن تتوقف تلك المحاولات إلا إذا عرف ضعفاء النفوس أن مستوى الوعي لدى أغلبية العملاء وأصحاب المدخرات قد وصل إلى مرحلة عدم الانخداع بما يقال مهما كانت الوعود مغرية, عندها يمكن أن نتوقع انحسار ظاهرة الاحتيال في المساهمات العقارية.
إن وجود بديل للمساهمات العقارية أمر في غاية الأهمية, لأنه سيتيح الفرص النظامية للاستثمار والمساهمة تحت مظلة القانون ودون مخاطر تذكر, ولعل البديل الأمثل هو الصناديق العقارية التي يجب أن تؤدي دوراً بارزاً في إنعاش السوق العقارية وتلبية طموحات المستثمرين, وتحقق التنمية العقارية وتضع الأموال في مكانها الصحيح لتعود بالنفع على المديين القصير والبعيد وعلى الراغبين في فتح مساهمات عقارية عدم التذمر من الإجراءات وآليات العمل الجديدة التي تفرضها أنظمة وتعليمات الصناديق العقارية.
وكما أن التمويل العقاري في البنوك يعاني عدم وجود الضمانات الكافية للبنوك لتقوم بدعم النشاط العقاري, وخصوصاً تملك الوحدات السكنية, فإن وجود تنظيم متكامل لنشاط الاستثمار والتمويل في العقار أصبح جزءا من الحل الذي لا غنى عنه لتحقيق تنمية عقارية جديدة تتلاءم مع متطلبات المرحلة الجديدة, فالأموال التي يتم توجيهها للمساهمات يجب أن تعامل باعتبارها محفظة استثمارية وعنصرا فاعلا ومؤثرا في السوق المالية, ولها تنظيم مالي ومحاسبي وإداري يمنع تحويلها عن هدفها الرئيس, وهو تحقيق الربح للمساهمين وحفظ حقوق المرخص لهم بالاستثمار. وإن الاقتباس من أنظمة الرقابة المصرفية لا يعني تعقيد الاستثمار كما يراه بعضهم, بل هو حماية لرأس المال وضمان لبقاء الأموال في المشروع الذي جمعت من أجله, وإذا كانت الإجراءات الجديدة حالت دون استمرار الاحتيال في المساهمات العقارية, فإن انتقالها إلى الخارج دليل على أن هناك من يعلق أملا كبيرا في الاستفادة غير المشروعة والتهرب من المسؤولية, وأن الوعي كفيل بإغلاق هذا الباب بعد أن ثبت أن الأموال إذا خرجت منه فلن تعود.
