الأنجلو ساكسون ليسوا الوحيدين الذين خلطوا الأمور

الأنجلو ساكسون ليسوا الوحيدين الذين  خلطوا الأمور

هل أدت بنا الإدارة الضيقة، وأحادية الثقافة جميعاً إلى كارثة؟ هنالك من سيخبرك بأنهما فعلاً كذلك. ومنهم نوريل روبيني على سبيل المثال، حيث عرض أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك وجهة النظر هذه في الـ"فاينانشيال تايمز" قبل فترة قصيرة.
في العالم المالي، عنى نظامنا الأنجلو ساكسون القذر للمراقبة والتنظيم عملياً عدم وجود أي تنظيم إطلاقاً، كما قال. وشجعت تعليقاته على صياغة عنوان رئيس لافت: "نموذج الأنجلو ساكسون قد فشل".
إن الأستاذ روبيني ليس من الأنجلو ساكسون، حيث وُلد في اسطنبول لوالدين يهوديين من أصل إيراني. وعاش في صغره في طهران، وتل أبيب، وميلانو، ويتحدث أربع لغات. وتُعتبر كلمة متعدد اللغات مبررة، مرة أخرى.
إن "دكتور الإدانة"، كما يُلقب بصورة غير موقرة، مؤهل للتعبير عن معظم آرائه بثقة. وقد تنبأ بالصعوبات التي نمر بها حالياً على نحوٍ يتسم بمزيد من الدقة، وبصورة أسرع من غيره. لذا، ربما نحن بحاجة ألا نسأل فقط عما إذا كان ضيق الأفق سيئاً، ولكن ما إذا كانت خلفية الأستاذ وربيني متعددة الثقافات كانت بالغة الأهمية في مساعدته على الوصول إلى أحكام وقرارات أفضل.
ولابد أن أكشف عن مصلحة. فأنا لست مولعاً بالأنجلو ساكسونية إطلاقاً أيضاً. "لابد أن تكون بريطانياً"، كما قال أحد الزملاء السابقين، وليس بفظاظة، "ولكن لا يمكن أن تكون إنجليزياً". (هذا صحيح: فإن جذوري من وسط أوروبا أكثر مما هي وسط بريطانية).
وسينتقد بعض القراء بصورة مؤكدة استخدامي الأقل دقة من أن تاريخياً، أو عرقياً لمصطلح "الأنجلو ساكسون". ولكنه أصبح تعبيراً شائعاً ومتاحاً من أجل وصف أسلوب أنجلو أمريكي في القيام بالنشاطات التجارية.

وفي كتابه "حقيقة الأسواق – The Truth About Markets"، يحلل زميلي جون كاي، ويكشف ما يدعوه بـ "النموذج الأمريكي للقيام بالنشاطات التجارية. وتم نشره في عام 2003 مع يقظة انهيار الدوت كوم. ويُعتبر الكتاب متبصراً بصورة ملحوظة، إلى درجة انه يهزم دكتور الإدانة في انتقاده للنموذج الأمريكي قي القيام بالنشاطات التجارية، وأخطائه الضمنية.
"يبقى النموذج الأمريكي للقيام بالنشاطات التجارية الفرضية الناجعة لأغلب العاملين في الشركات، ومستشاريها"، كما يكتب كاي. ولكنه يجادل بأن من الخاطئ في جوهر اعتقاده أن الجشع يمكن أن يكون قوة لطيفة أو دائمة. وإنه يستشهد بالخبيرين الاقتصاديين، كين أرو، وفرانك هان، اللذين سألا في عام 1971: "كيف يمكن أن يكون شكل اقتصاد يحفّزه الجشع، ومسيطر عليه من قبل عدد كبير من الوكلاء المختلفين؟" وأجاب الخبراء الاقتصاديون على سؤالهما الخاص: "ستعم الفوضى".
نحن بحاجة إلى تحديد خصائص هذا الانتقاد إلى حدٍ ما. أولاً، يعترف كاي بأن الشركات الأمريكية العظيمة لم تكن على نحوٍ متناقض ظاهرياً في العادة، دليلاً على النموذج الأمريكي للقيام بالنشاطات التجارية. إن الشركات الأمريكية والبريطانية العظيمة لم تحاول توليد أكبر قدر ممكن من الأرباح على المدى القصير على حساب إلحاق أضرار طويلة الأمد بالمؤسسة. وأما التحديد الثاني، فهو الأقوى، حيث إن العديد من الشركات الأنجلو ساكسونية تمر في مأزق، وتسببت بالعديد من المشكلات لنفسها. ولكن ماذا عن الشركات غير الأنجلو ساكسونية، وما هو مدى جودة حالها؟ وهل يمكن إلقاء اللوم بخصوص جميع مشكلاتها على مبيعات الأنجلو ساكسون؟
إن القيادة والإدارة تُمارسان ضمن سياق ثقافي مختلف، حيث إن العولمة لم تخفف من الحاجة إلى المديرين على أرض الواقع ليكونوا حساسين تجاه المجتمعات المحلية، وليفهموا موظفيهم، وزبائنهم. وبالمقارنة، نحن بحاجة إلى مديرين أكثر، وليس أقل، وعياً بالجوانب الثقافية. إن حجماً واحداً للأنجلو ساكسون لا يتلاءم مع الجميع، كذلك الياباني، ولا الألماني، والهندي.
إن الدراسة الواسعة لـ "القيادة العالمية، وكفاءة السلوك التنظيمي" (صدرت عن دار جلوب للنشر)، التي تم نشرها في عام 1991 من قبل روبرت هاوس من كلية وارتون للأعمال في بنسلفانيا، درست الآن فيما يزيد على 60 مجتمعاً حول العالم. ولكن ماذا عن نتائج الدراسة؟ إن القادة الناجحين يستجيبون لقيم، وأنماط، ومعتقدات الناس الذين يقودهم.
ما لا ينجح في عصر العولمة هو السعي إلى الحفاظ على صفاء الهوية العرقية الضيقة، ورفض إدراك المزايا التي توفرها الثقافات الأخرى. ودعا باراك أوباما، الذي يتمتع بخلفية عرقية غنية، نفسه بـ "المهجن". ولا يبدو أن ذلك ألحق به الكثير من الأذى.
التنوع جيد، وأنا متحيّز بالطبع، ولكن ألا تعتقد أن إنجلترا دون الهنود الأوروبيين، والنورمنديين، واليهود، والبروتستانتيين الفرنسيين، والآسيويين، والكاريبيين الأفارقة، وغيرهم تبدو بمظهر كئيب للغاية؟ لكان الأمر مروع تماماً مثل: السويديون دون الجنس.
أما بالنسبة للوقت الراهن، وبرغم ذلك، تقريباً، فيبدو أن الجميع يؤيدون الأنجلو ساكسونية.
لا يخلو أي عالم يعمه النشاط الإنساني من توجيه الانتقادات. ففي المملكة المتحدة، في الوقت الراهن، نقف على منتصف الطريق تقريباً نحو بطولة اتحاد الرجبي السنوية للدول الستة (إيطاليا، وفرنسا، هما الدولتان المتطفلتان القاريتان اللتان تتنافسان مع باقي الفرق المحلية).
وحين ينطلق فريق الرجبي الإنجليزي إلى الساحة ليلعب مع فريق ويلز على ملعب كارديف الألفي، كما فعل أخيراً، فإن عليك أن ترى إلى أي مدى يمكن أن تكون حدة المنافسة الوطنية. "يمكن أن تشعر بالغل تجاه فريق إنجلترا"، كما صاغها أحد معلقي هيئة الإذاعة البريطانية.
وبالفعل، هل كنت أتخيل ذلك، أم هل بإمكاني أن أخرج بالصرخة الويلزية التقليدية " Twll din bob sais!"، تعلو على هدير الحشود؟ وذلك بالويليزية هو "النموذج الأنجلو ساكسوني قد فشل"، بالمناسبة، ولكن إلى حدٍ ما.

الأكثر قراءة