كلنا نستطيع أن نرى القمر ، ولكن الذين تخيلوا كيفية الوصول إليه و من ثم خططوا و عملوا لتحقيق الحلم هم من وضعوا أقدامهم عليه..وهذا هو ما نحتاجه بعد أن تتوضح رؤيتنا للمستقبل و للتعليم بالذات الذي هو أهم أداة في تشكيل ذاك المستقبل : أن نحرر عقولنا من الإِلف و نطلق العنان للتفكير في أهداف و طرق تعليمية مختلفة تفاديا لأن نوصف بالجنون الذي عرّفه أينشتاين بتوقع نتائج مختلفة في حين أنك تكرر نفس الأساليب!
ولعل المجال لا يتسع هنا لوصف خطة كاملة حيث إن ذلك يستدعي بحثا مفصّلا و جهود جماعية متخصصة ، إلا أنه بإمكاننا الاجتهاد ببعض الأفكار الأساسية :
?- إن العملية التعليمية معنية بالجانب الأخلاقي للمجتمع حيث إن هذا الجانب مرتبط ارتباط وثيق بتطور المجتمع و صحته ، كما أنه مرتبط بالعلم وقد قال تيدي روزفلت الرئيس الأمريكي الأسبق :"إن التعليم الأكاديمي بمعزل عن الإرشاد الخُلُقي وصفة لإنتاج أفراد يمثلون خطرا على المجتمع."
?- إن الأهم من حشو المناهج بالمعلومات هو تعليم النشء (منهج التفكير السليم) : كيف نحدد المصادر و نوثقها؟ كيف نُقَيّم المعلومات؟كيف نربط بين المعلومة الجديدة و بين المعرفة القديمة؟إلخ..وفي عصرنا الذي يتميز بغزارة المعلومات و الأفكار و تغيرها المستمر يصبح هذا فرضا علينا ، ولو تأملنا الخطاب القرآني و النبوي لوجدناه يعزز و يدعو إلى هذا المنهج العقلي في التعامل مع الحياة .
?- إن من وظائف التعليم رعاية و تعزيز الأمن الفكري للمجتمع ، والطريقة الأمثل في تحقيق ذلك هي خلق جو من الحوار المنفتح في جميع مجالات المجتمع و أهمها المؤسسات التعليمية، و عرض جميع الأفكار و نقدها نقدا منهجيا ، وفي ذلك أيضا اقتداء بالمنهج القرآني في معالجة الأمور .فلم يعد هناك مكان لممارسة (الوصاية الفكرية) بل المطلوب هو تطوير (المناعة الفكرية الذاتية) مستفيدين من المفهوم الطبي للتطعيم الذي يستند إلى فكرة أن حقن الشخص بجرعة مخففة من الفيروس يجعل الجسم يتعرف على ذلك الدخيل و بالتالي يُكَوّن أجسام مضادة تقاومه.
?- إن وظيفة المدرسة هي تهيئة الطفل للحياة و هذا يقتضي :
أ- أن تحاكي المدرسة الحياة الواقعية فيتعلم الطفل من خلالها التعامل مع الفشل و النجاح والعمل الجماعي و غير ذلك من المهارات الضرورية.
ب- بما أن المعارف و المجالات المختلفة ليست منفصلة بل متداخلة ومترابطة فينبغي أن ينعكس ذلك على طريقة تدريس و مقاربة المعارف في المدرسة.
ج-ربط القضايا العامة و الأحداث الراهنة بالعملية التعليمية، حيث إن هذه الطريقة تُسهّل إيصال المفهوم، كما أن ذلك يُعَوّد الطفل على الوعي و الاهتمام بالأمر العام ويزيد من إقباله على التعلم لأنه يرى رابطا واضحا بين ما يتعلمه و بين الواقع الذي يعيشه. ويمكن أيضا أن يكون هذا مدخلا لتعليم منهج التفكير في أمور الحياة المختلفة، وفي هذا أيضا اقتداء بالمنهج القرآني والنبوي. وبذلك يبدأ النشء باكرا بتكوين صورة واعية عن العالم وقضاياه و بالتالي يمسون أكثر قدرة على تشكيل اهتماماتهم و أهدافهم. ولنكمل في المرة القادمة بإذن الله.
