ملامح اتفاقية الحدود السعودية القطرية والقيمة القانونية لتسجيلها
جاء في الأخبار الصحافية يوم السبت 24/3/1430هـ الموافق 21/3/2009 أن المملكة وقطر أودعتا لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك اتفاقية الحدود المشتركة بين الدولتين والوثائق الأخرى ذات الصلة بها، منها الخريطة النهائية لترسيم الحدود التي اعتمدتها الدولتان، لوضع ختم الموافقة الدولية على هذه الاتفاقية.
ويبدو لي أن صياغة الخبر ـ كما أوردته الصحف ـ افتقرت إلى الدقة من الناحية القانونية، لأن هيئة الأمم المتحدة ليست جهة (إيداع) أي حفظ للمعاهدات والاتفاقيات الدولية فحسب، إنما جهة (تسجيل) لها، لذلك فإن دلالة الخبر تفيد أن الدولتين سجلتا لدى الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة اتفاقية الحدود المبرمة بينهما وما يتصل بها من وثائق أخرى.
من ناحية أخرى، فإنه لا يشترط لصحة المعاهدات والاتفاقيات الدولية الحصول على موافقة الأمم المتحدة عليها، فتسجيل المعاهدات والاتفاقيات الدولية لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة أشبه بتسجيل وتوثيق العقود لدى كاتب العدل في الأنظمة القانونية الداخلية. وقبل أن نوضح القيمة القانونية لهذا التسجيل، نجد من المفيد أن نسلط بعض الضوء على ملامح اتفاقية الحدود السعودية ـ القطرية، فنقول بإيجاز شديد ما يلي:
أولا: في 11/8/1385هـ الموافق 4/12/1965 أبرمت السعودية وقطر اتفاقية بشأن تعيين الحدود البرية والبحرية بين الدولتين، وقد وقعها عن الحكومة السعودية الأستاذ أحمد زكي يماني وزير البترول والثروة المعدنية آنذاك، ووقعها عن حكومة قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني نائب الحاكم وولي العهد آنذاك، وبموجب المادة الأولى من هذه الاتفاقية قسمت دوحة سلوى مناصفة بين البلدين بطريقة المسافات المتساوية من الساحلين، أما بالنسبة للتعاريج فيؤخذ خط مستقيم قدر الإمكان. وحددت المادة الثانية النقاط الجغرافية الخاصة بتحديد الحدود المشتركة بين الدولتين. ونصت المادة الثالثة بأن يعهد إلى إحدى شركات المساحة العالمية القيام بمسح وتحديد نقط وخطوط الحدود بين البلدين على الطبيعة وفقا لما جاء في هذه الاتفاقية. وكذلك إعداد خريطة بالحدود البرية والبحرين بين البلدين وما يتعلق بذلك من بيانات أخرى، وتكون تلك الخريطة بعد توقيع الطرفين عليها هي الخريطة الرسمية المبينة للحدود، وتلحق بالاتفاقية باعتبارها جزءا مكملا لها.
وقررت المادة الرابعة أن تتحمل الدولتان مناصفة تكاليف عملية المسح المشار إليها في المادة الثالثة، كما قررت المادة الخامسة بأن تشكل لجنة فنية مشتركة من عضوين عن كل من الطرفين يُناط بها إعداد مواصفات عملية المسح وبيان وخطوط الحدود بين البلدين وفقا لهذه الاتفاقية، والإشراف على تنفيذ عملية المسح ودراسة نتائجه.
ثانيا: لم يتم إعداد خريطة نهائية بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية بين الدولتين، الأمر الذي أدى إلى حدوث خلاف بين الدولتين عام 1992 حول بعض نقاط الحدود, وتبعا لذلك تأزمت العلاقات بين البلدين الشقيقين، وبوساطة مصرية تم عقد اجتماع في المدينة المنورة بين الملك فهد بن عبد العزيز، يرحمه الله، والشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير قطر آنذاك، بحضور الرئيس المصري حسني مبارك، أسفر عن صدور بيان مشترك، ولأهمية هذا البيان نورد نصه الحرفي:
(في يوم 26/6/1413هـ الموافق 20/12/1992م التقى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية وصاحب السمو الأمير الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر بحضور فخامة الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية في المدينة المنورة.
وانطلاقا من إيمان زعماء الدول الثلاث بوجوب تعزيز الوشائج المصيرية والروابط الحميمة بين البلدين والشعبين الشقيقين، وحرصا على تغليب روح الأخوة والتضامن بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر في إطار المصالح القومية العليا استعرض زعماء الدول الثلاث التطورات التي طرأت في الآونة الأخيرة بين الدولتين الشقيقتين المملكة العربية السعودية ودولة قطر. وإيمانا منهم بحل الخلاف الطارئ بين البلدين تم الاتفاق على ما يلي:
أولا: تنفيذا للاتفاق الحدودي المعقود بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر في 11 شعبان 1385هـ الموافق 4 ديسمبر 1965م، تم الاتفاق على إضافة خريطة موقعة من قبل الطرفين يبين فيها خط الحدود النهائي والملزم لكلا الطرفين.
ثانيا: تشكيل لجنة سعودية قطرية مشتركة وفقا للمادة الخامسة من الاتفاقية يناط بها تنفيذ اتفاق عام 1385هـ الموافق 1965، بجميع بنوده وأحكامه وما جاء بهذا البيان المشترك.
وتكلف هذه اللجنة بوضع علامات الحدود طبقا للخريطة المرفقة, ولها أن تستعين في عملها بشركة مسح يتفق عليها وفقا للمادة الثالثة من الاتفاقية بحيث تنتهي اللجنة من إنجاز خريطة نهائية يوقع عليها الطرفان, وتعتبر الخريطة النهائية جزءا لا يتجزأ من اتفاق عام 1965م.
ثالثا: تنتهي اللجنة من أداء مهمتها المذكورة خلال عام واحد من تاريخ توقيع هذا البيان المشترك.
عن المملكة العربية السعودية (صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل)
عن دولة قطر (الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني)
عن جمهورية مصر العربية السيد عمرو موسى وزير الخارجية.
حرر هذا البيان ووقع بالمدينة المنورة في 26 من جمادى الآخرة 1413هـ الموافق 20 ديسمبر 1992م وحرر من ثلاثة أصول متطابقة) انتهى نص البيان.
ثالثا: بهذه الخطوة وضعت الدولتان الآلية القانونية المناسبة لتنفيذ اتفاقية الحدود بين الدولتين المبرمة عام 1385هـ الموافق 1965. وترتيبا على ما سبق فقد تم تشكيل لجنة فنية مشتركة من قبل الدولتين، كما تم التعاقد مع الشركة الفرنسية (أي جي) لتنفيذ مشروع تحديد نقاط الحدود وترسيمها على الطبيعة طبقاً للشروط والمواصفات الفنية المنصوص عليها في العقد. وصرح المدير الإقليمي للشركة المذكورة بأنه قد تم أداء المهمة المنوطة بالشركة بدقة, استعملت فيها أحدث الطرق التقنية والحسابية, وصرح رئيس الجانب السعودي في اللجنة الفنية المشتركة بأنه قد تم إنتاج الخرائط بأحدث وأدق الوسائل وحسب الموصفات والمعايير الدولية. وفي 26/12/1421هـ الموافق 21/3/2001م وقعت السعودية وقطر في الدوحة على الخرائط النهائية لترسيم الحدود البرية والبحرية بين الدولتين, وقد وقعها عن السعودية الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية ووقعها عن قطر نظيره القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني, وصرح الأمير سعود الفيصل بأن هذا التوقيع يعد بمثابة نهاية لحلقة المفاوضات حول الحدود بما يعود بالخير على البلدين والشعبين الشقيقين, وللمجموعة الخليجية.
رابعاً: أما بخصوص القيمة القانونية لتسجيل اتفاقية الحدود المذكورة والوثائق الأخرى المتصلة بها لدى الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة، فنشير إلى أن المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على ما يلي:
1- كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة, وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن.
2- ليس لأي طرف في المعاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقاً للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة.
ويتضح مما سبق أنه يتعين تسجيل جميع أنواع المعاهدات لدى الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة أياً كانت الأسماء التي تطلق عليها، أي سواء أطلق عليها اسم معاهدة أو اتفاق أو اتفاقية أو غير ذلك، لكن عدم تسجيل المعاهدة لا يؤثر في صحتها ما دامت معقودة بصورة قانونية، فالمعاهدة غير المسجلة تظل سارية وملزمة لأطرافها، إذ يجوز لأي طرف من أطرافها أن يتمسك بها في مواجهة الطرف الآخر أو الأطراف الآخرين أو أمام أي منظمة إقليمية أو محكمة تحكيم جرى تكوينها بمعرفتهم للفصل في نزاع معين أو أمام المحاكم الوطنية وغير ذلك من الهيئات الأخرى ما عدا هيئة الأمم المتحدة, إذ لا يجوز التمسك أو الاحتجاج بها في أي قضية أو مسألة تعرض على أي فرع من فروع هيئة الأمم المتحدة كمجلس الأمن أو الجمعية العامة أن محكمة العدل الدولية إلا بعد تسجيلها على النحو الموضح في المادة 102 من الميثاق.
وعليه فإن الأضرار المترتبة على عدم التسجيل يمكن أن تنطوي على جانب من الخطورة, وإعمالاً لنص المادة 102 سالفة الذكر، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 80 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969 أن (تحال المعاهدات بعد دخولها دور النفاذ إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة لتسجيلها أو قيدها وحفظها وفقاً لكل حالة على حدة ونشرها).
من ناحية أخرى، يمكن أن يجرى تسجيل أي اتفاقية بمعرفة أي طرف من أطرافها، فالتسجيل عمل من جانب واحد لا يحتاج إلى أي موافقة أو تعاون من جانب الطرف الآخر أو الأطراف الآخرين. ويجوز إجراء التسجيل في أي وقت بعد العمل بالاتفاقية, ولو أنه يستحسن عدم التراخي في إجرائه. كما أن التسجيل يكفل نشر الاتفاقية في مجموعة المعاهدات الرسمية التي تصدرها هيئة الأمم المتحدة مع ما يترتب على ذلك من إطلاع العالم على نص المعاهدة أو الاتفاقية. وبتسجيل اتفاقية الحدود السعودية القطرية والوثائق المتصلة بها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة تكون السعودية وقطر قد استكملتها جميع الإجراءات القانونية اللازمة في هذا الشأن.