هل الاقتصاد السعودي قادر على استيعاب شركات تأمين جديدة؟
من وقت إلى آخر تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي، باعتبارها الجهة المشرفة على قطاع التأمين السعودي، بتحديث قائمة شركات التأمين المعتمدة للعمل في المملكة. وكل فترة نلاحظ إضافة شركات جديدة إلى القائمة بعد حصولها على موافقة المؤسسة أو وزارة التجارة، أو الحصول على الترخيص النهائي بالعمل في الجهة المقابلة، وتعلن هيئة السوق المالية طرح أسهم لشركات التأمين للاكتتاب العام.
قد يستغرب كثير عندما يتم التصريح لشركات تأمين جديدة (وجديدة هنا لا تعني أنها لم تكن تعمل في السوق السعودية بل أن بعضها متواجد منذ أكثر من عشر سنوات)، ويشتد هذا الاستغراب عندما تطرح أسهم تلك الشركات (أعلنت تداول أخيرا عن طرح أسهم أربع شركات تأمين جديدة)، في ظل تردي الأوضاع في سوق الأسهم وتراجع قيمة الأسهم بشكل مخيف وفقاً لتقارير المحللين الماليين التي أكدت أن 60 في المائة من الأسهم المتداولة في السوق تقل قيمتها عن 20 ريالا.
السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا اختارت تلك الشركات هذا الوقت لطرح أسهمها للاكتتاب على الرغم من أن كبرى شركات التأمين في المملكة تعاني تردي الأوضاع المالية على المستويين الاقتصادي والاستثماري بسبب ما يشهده العالم من أزمة مالية؟ وهذا يقودنا إلى سؤال آخر هو من المستفيد من ذلك التصريح المستمر بتأسيس شركات التأمين، وهل السوق مستعدة لاستيعاب كل هذا العدد من الشركات في الوقت الذي يهدد انخفاض قيمة أسهم بعض الشركات بخروجها من السوق؟
وتستمر التساؤلات التي يجب إثارتها إزاء تلك المشكلة ولا سيما أن المواطن قد أصبح بإمكانه الآن الحصول على السهم بأقل من قيمته الاسمية. كيف ستتعامل الشركات الجديدة القائمة مع محافظ التأمين الرابحة التي بنيت على مر السنوات وهل المكتتبون الجدد سيكونون شركاء في تلك المحافظ، وما الدراسات التي أجريت لتقنين التصريح للشركات بعد التغير الذي طرأ على السوق؟ وهل تستطيع رساميل هذه الشركات الاستمرار في ظل ضعف عائد الاستثمار؟ نحن ندرك أن التامين يمس المجتمع بأسره ومع ذلك فإن شركات التأمين أصبحت مهددة في ظل التحديات التي تواجهها على خلفية تردي الأوضاع الاستثمارية وانخفاض الوعي التأميني مع وجود تلاعب في تطبيق التأمين الإلزامي وعدم ضمان تطبيقه بشكل كامل. بعض شركات التأمين أيضاً لا تزال تعانى ندرة الكفاءات التأمينية وبعض المشكلات الإدارية مع زيادة مصروفات التأسيس, ما أدى إلى تآكل جزء كبير من رؤوس أمولها دون أن تضيف أي تغيير ملحوظ لعمليات التأمين في السوق سواء من ناحية الجودة أو النوعية.
ورغم حرص كثير من المواطنين والوافدين على التعامل مع تلك الشركات ثقة بتطلعاتها إلا أن المشكلات التي تواجهها تضع علامات استفهام كبيرة حول قدرة تلك الشركات على الاستمرار في العمل ونجاحها في تحقيق أهدافها. إن الوضع بشكل عام ووضع تلك الشركات بشكل خاص غامض في ظل عدم وجود البنية الأساسية التي تحتاج إلى أصحاب رؤية مستقبلية يكون لديهم القدرة - بعون الله تعالى- على وضع أسس نجاح تلك الشركات ومساعدتها على اجتياز صعوبات الأزمة المالية العالمية التي ضربت بقوة الأسواق المحلية والعالمية, وهددت مستقبل كثير من الشركات بما فيها شركات عملاقة بحجم المجموعة الأمريكية للتأمين (AIG).
في ضوء المعطيات التي أشرنا إليها، فإنه على الجهات التنظيمية واجب تجاه ضمان حقوق حملة الوثائق والمساهمين في شركات التأمين. هذا الواجب يفرض ضرورة دعم الشركات القائمة والتمهل في منح تراخيص لشركات تأمين جديدة.