شابرا: النظام المالي الإسلامي قادر على تقليل حدة الأزمات المالية

شابرا: النظام المالي الإسلامي قادر على تقليل حدة الأزمات المالية
شابرا: النظام المالي الإسلامي قادر على تقليل حدة الأزمات المالية

أكــد الدكتور عمر شابرا الخبير الاقتصادي المعروف، أن النظام المالي الإسلامي ليس جاهزا تماما في الوقت الراهن كي يلعب دورا مهما في ضمان سلامة واستقرار النظام المالي العالمي، لجملة من الأسباب، منها: أنه بشكله الحالي لا يعكس روح التعاليم الإسلامية بصورة حقيقية، كما أنه يشكل نسبة ضئيلة في الاقتصاد العالمي، لكنه في المقابل يقول إنه من المتوقع أن يكتسب مزيداً من القوة مع مرور الوقت ويكمل الجهود الدولية المبذولة حاليا لتعزيز وتقوية سلامة واستقرار النظام المالي العالمي.
ويؤكد شابرا أن ما يمر به العالم اليوم يعد أكبر أزمة منذ الكساد العظيم، ويقول إنه على الرغم من محاولات الإنقاذ الحالية إلا أن هنالك مخاوف، فالأزمة كما يقول ربما تعرض الاقتصاد العالمي إلى فترة طويلة من الركود الاقتصادي، وبالتالي فهناك حاجة إلى هندسة جديدة قد تساعد على تقليل فرص تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل.

البحث عن الأسباب الحقيقة
ويمضي شابرا قائلاً: إنه ليس من الممكن تصميم هندسة جديدة دون أن نحدد أولا السبب الرئيس للأزمة وهو الإقراض المفرط وغير الحكيم من البنوك، الذي حدث خلال فترة طويلة من الزمن، ويضيف أن سبب لجوء البنوك لمثل هذه الممارسات الخطيرة يعود إلى ثلاثة عوامل، هي: عدم كفاية انضباط السوق الناجم عن غياب المشاركة في الربح والخسارة، التوسع غير المقبول عقلا في حجم المشتقات، خصوصا مقايضة الائتمان في حالة التقصير، وأخيراً الثقة المفرطة بعدم الفشل والتأكيد على سعي البنك المركزي للإنقاذ.
ويمضي شابرا قائلاً إن الإحساس الخاطئ بالمناعة الذي توفره جميع هذه العوامل أدى إلى إدخال عوامل الفشل والإخفاق في النظام المالي، وبالتالي فإن البنوك لم تقم بتقييم دقيق ومتروِّ لطلبات القروض. وقد أدى ذلك إلى توسع غير سليم في الحجم الإجمالي للائتمان وإلى التحكم المفرط والارتفاع غير المستدام في أسعار الأصول، والعيش بأعلى من مستويات الدخل والاستثمار المتسم بطابع المضاربة، ما تحول لاحقا إلى انخفاض شديد في أسعار الأصول وإلى الهشاشة المالية وأزمات الديون.

الحل والنظام المالي الإسلامي
في ظل هذا الفشل الكبير الذي مُنيت به الأنظمة المالية في العالم، يرى شابرا أن الحل يكمن في النظام المالي الإسلامي، ويؤكد في هذا السياق ضرورة تحقيق الأهداف التي ينادي بها الإسلام، التي من أهمها تحقيق أكبر قدر من العدالة في المجتمع الإنساني، وهذا ما يتطلب وفق ما يقول مجموعة من القوانين والقيّم الأخلاقية. وفي حالة النظام المالي فإن ذلك يمكن أن يتم بشرطين يرتكزان إلى القيم نفسها، أحد هذين الشرطين ـ كما يقول شابرا ـ هو مشاركة المموّل والمستثمر في المخاطر حتى لا يحوّل كل عبء الخسارة على المستثمر المخاطر، والشرط الثاني هو ضرورة توفير حصة عادلة من الموارد المالية المتداولة بواسطة المؤسسات المالية للفقراء كي تساعد على التخلص من الفقر وتزيد من فرص العمل والتوظيف الذاتي، وبالتالي المساعدة على تقليل التباين في الدخل والثروة.
ولتحقيق الشرط الأول وهو العدل يقول شابرا: يتطلب الإسلام أن يتشارك كل من الممول والمستثمر في المخاطرة بصورة منصفة في الربح والخسارة أيضا. ولهذا الغرض فإن أحد المبادئ الأساسية الإسلامية للتمويل هي: "ليس هناك ربح من دون مخاطرة"، حيث يرى شابرا أن ذلك سيساعد على إدخال مزيد من الانضباط في النظام المالي عن طريق تحفيز المؤسسات المالية على تقييم المخاطر بحرص ودقة أكثر والمراقبة الفاعلة لاستخدام الأموال بواسطة المقترضين، فالتقييم المزدوج للمخاطر بواسطة الممول والمستثمر المخاطر سيساعد على حقن مزيد من الانضباط في جسم النظام ويفعل الكثير في تقليل الإقراض المفرط.
ويقول شابرا في هذا الخصوص إنه بهذه الصيغة المثالية يمكن للتمويل الإسلامي أن يساعد على زيادة الإنصاف بصورة كبيرة في العمل التجاري، وهو ما ينادي به عدد من الغربيين مثل البروفيسور كينيث روجوف من جامعة هارفارد.
#2#
استحالة الاستغناء عن تمويل الديّن
ويستدرك شابرا هنا قائلاً: إن الاعتماد الأكثر على حقوق المساهمين لا يعني بالضرورة أن تمويل الدين مستبعد والسبب في ذلك أن الاحتياجات المالية لجميع الأفراد أو الشركات أو الحكومات لا يمكن تعديلها إلى حقوق مساهمين، وبالتالي لا يمكن الاستغناء عن الدين، ولكن ينبغي عدم تشجيعه للاستهلاك غير الضروري المبذر والمضاربات غير المنتجة. لهذا السبب ـ يقول شابرا: لا يسمح النظام المالي الإسلامي بإنشاء الدين عن طريق الإقراض والاقتراض المباشرين، بل يتطلب إنشاء الدين عن طريق بيع أو إيجار العقارات بواسطة طرق تمويل بيعها أو إيجارها (المرابحة والإجارة والسلم والاستثناء والصكوك). والغرض من ذلك هو تمكين الفرد أو الشركة من شراء سلع وخدمات مطلوبة بصورة مستعجلة في الوقت الراهن بصورة تتوافق مع قدرة ذلك الفرد أو الشركة على السداد في وقت لاحق. إلا أن ذلك ـ كما يرى شابرا ـ مرهون ببعض الشروط، من بينها: أن يكون العقار الذي يتم بيعه أو إيجاره حقيقيا وليس خياليا أو افتراضيا، وهذا من شأنه أن يساعد على إلغاء عدد كبير من معاملات المنتجات البنكية والمالية المشتقة التي لا تتضمن شيئا أكثر من المقامرة بواسطة الغير الذين يسعون لطلب التعويض عن الخسائر التي يتكبدها فعليا الطرف الأصيل وليس هم، وثاني هذه الشروط ضرورة امتلاك البائع أو المؤجر للسلعة التي يتم بيعها أو تأجيرها وهو ما سيساعد على ضمان مشاركة البائع (المؤجر) في جزء من المخاطرة. ومن الشروط كذلك ضرورة أن تكون المعاملة التجارية حقيقية بقصد توريد السلع أو تقديم الخدمات من جانب الممول وتسلمها من جانب المستثمر، وكذلك عدم بيع الدين، وهذان الشرطان ـ كما يرى شابرا ـ لا يحفزان فقط المدين لكي يكون أكثر حذرا في تقييم مخاطر الائتمان، ولكنهما يمنعان أيضا الانفجار غير الضروري في حجم وقيمة التعاملات، كما سيساعدان على منع ارتفاع الدين بمستويات أعلى كثيرا من حجم الاقتصاد الحقيقي وسيحرران أيضا مقدارا هائلا من الموارد المالية للقطاع الحقيقي، ما يساعد بالتالي على زيادة فرص التوظيف والتوظيف الذاتي وإنتاج المنتجات والخدمات التي تشبع الاحتياجات.
ويمضي شابرا قائلاً: إن البعض قد يعترض من أن كل هذه الشروط قد تؤدي في نهاية الأمر إلى تقليص حجم الاقتصاد عن طريق تقليل عدد وحجم التعاملات. إلا أن ذلك من غير المرجح أن يحدث، لأن المعروف عموما أن عددا من معاملات المضاربات والمشتقات هي عبارة عن ألعاب حصيلتها صفر وأنها من النادر أن تسهم بصورة إيجابية في الناتج الإجمالي الحقيقي، وبالتالي فإنه من غير المرجح أن يسبب تقليلها ضررا بالاقتصاد الحقيقي.

فاعلية النظام المالي الإسلامي
وعن قدرة النظام المالي الإسلامي على تقليل حدة الأزمات وتكرارها يقول شابرا: إن ذلك ممكن بتطبيق ضوابطه في النظام التقليدي، خاصة أنه يقتضي مشاركة المموّل في المخاطرة، لكنه يرى أن هناك ثمة مشكلة تكمن في أن النظام المالي الإسلامي لا يزال في مراحله المبكرة ويشارك بنسبة ضئيلة في الاقتصاد العالمي، إضافة إلى ذلك فإنه لا يعكس روح التعاليم الإسلامية بصورة حقيقية، فاستخدام حقوق المساهمين لا يزال صغيرا للغاية، بينما أساليب إنشاء الديون هي الغالبة على سوق التمويل. علاوة على ذلك عدم الالتزام بصدق الشروط الشرعية عند إنشاء الدين، ويرجع شابرا ذلك جزئيا لنقص الفهم الصحيح للأهداف الجوهرية للتمويل الإسلامي وعدم توافر الأفراد المدربين وغياب عدد من مؤسسات الدعم المطلوبة لتقليل المخاطر المرتبطة بغموض شخصيات المقترضين والمخاطر الأخلاقية وتضارب المصالح بين الطرف الأصيل والوكيل والتسوية المتأخرة للالتزامات المالية، وبالتالي فإن النظام المالي الإسلامي ليس جاهزا تماما في الوقت الراهن كي يلعب دورا مهما في ضمان سلامة واستقرار النظام المالي العالمي. إلا أنه من المتوقع أن يكتسب الزخم تدريجيا مع مرور الوقت ويكمل الجهود الدولية المبذولة حاليا لتعزيز وتقوية سلامة واستقرار النظام المالي العالمي.

كيفية الحل
وختاماً يقول شابرا إن المجتمع الدولي مطالب بعمل إصلاحات جذرية في بنية النظام المالي كتلك التي ينادي بها النظام المالي الإسلامي، وهنا يرى ضرورة تبني بعض عناصر النظام الإسلامي لضمان سلامة واستقرار النظام المالي العالمي، وهذه العناصر ـ كما يقول ـ هي: ضرورة زيادة نسبة حقوق المساهمين في التمويل الإجمالي وتقليل نسبة إنشاء الديون، حصر الائتمان من الأساس في المعاملات المرتبطة بالقطاع الحقيقي لضمان تحرك توّسع الائتمان في خطوات تتماشى مع نمو الاقتصاد الحقيقي وعدم تشجيع المضاربات والمقامرة التي تؤدي لعدم استقرار النظام المالي، وكذلك ضرورة التحكم والسيطرة على الائتمان لضمان عدم تجاوز الائتمان قدرة المقترض على السداد، ووضع الأنظمة الصحيحة للمؤسسات المالية كافة وليس فقط البنوك التجارية، والإشراف عليها حتى تظل سليمة وليست مصدرا للمخاطر. أيضاً القيام ببعض الترتيبات لإتاحة الائتمان للمقترضين بأسعار عالية وبشروط ميسرة، لتمكينهم من شراء منازل وتأسيس مشاريعهم الصغيرة.

شابرا في سطور
يعمل الدكتور محمد عمر بن عبد الكريم شابرا مستشارا في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، وقد عمل سابقاً لـ 35 عاماً في مؤسسة النقد العربي السعودي بمنصب كبير المستشارين الاقتصاديين، وخلال هذه المدة أسهم مساهمة فاعلة في المراحل المختلفة للتنمية الاقتصادية الحافلة للمملكة، ومنح الجنسية السعودية تقديراً لخدماته في عهد الملك خالد ـ رحمه الله ـ عام 1983، كما عمل في مجال التدريس الجامعي استاذا مساعدا ومشاركا في الاقتصاد في جامعة وسكونسن، وجامعة كنتكي، وفي معهد التنمية الاقتصادي والمعهد المركزي للأبحاث الإسلامية في باكستان.
وهو معروف بإسهاماته الجذرية في مجال الاقتصاد الإسلامي والمالية الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية، وتحظى آراؤه المتوازنة وطريقته العلمية باحترام بالغ، وله أكثر من 100 مؤلف أبرزها: كتاب "نحو نظام نقدي عادل"، "الإسلام والتحدي الاقتصادي"، "مستقبل الاقتصاد من منظور إسلامي"، و"الحضارة الإسلامية: أسباب الانحطاط والحاجة إلى الإصلاح"، وقد تمت ترجمة عدد من كتبه ودراساته ومقالاته إلى نحو 12 لغة عالمية، كما ألقى محاضرات علمية في جامعات ومعاهد متفرقة حول العالم بما فيها كلية هارفارد للقانون ومدرسة لندن للاقتصاد ومجلس العموم البريطاني، وهو عضو من أعضاء هيئة التحرير في عدد من المجلات العلمية.
وقد حصل شابرا على عدد من الأوسمة وجوائز التفوق الأكاديمي خلال حياته، منها جائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي، وجائزة الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية .

الأكثر قراءة