الأخطاء الطبية ... من يحاسب من ؟؟؟

أحمد خضران العُمري

خلال أقل من ثلاثة أشهر استطيع أن أسرد هنا قصصا عديدة وقفت عليها شخصيا عن أخطاء طبية قاتلة حصلت في مستشفيات حكومية وخاصة وكاد أن يذهب نتيجة لها أبرياء ، لا ذنب لهم إلا أنهم ذهبوا لهذه المستشفيات بحثا عن العلاج والدواء والشفاء بقدرة الله وتوفيقه . ولكنهم لم يجدوا إلا ما أساء إليهم وكاد أن يفتك بهم لولا قدرة الله وتوفيقه – أيضا-. وسأكتفي فقط بسرد ثلاث قصص وسأختصرها فيما يلي :
القصة الأولى وقع حادث مروري على أربعة مواطنين في الطريق السريع ، وكان حادثا مريعا نتج عنه انقلاب سيارتهم وتعرضهم لإصابات بليغة نقلوا على أثرها لمستشفي حكومي متخصص ، فاستقبلهم المستشفى ببرود غير مستغرب وقدمت لهم الفحوصات الأولية التي اقتضت تنويم الأربعة كلهم في المستشفى بل أن بعضهم كان في العناية المركزة ، وهنا بدأت المعاناة فلا اهتمام ولا رعاية ولا متابعة ، بل استدعى الأمر لتدخل أهاليهم للمتابعة والبحث عن الطبيب المختص لإبداء رأيه وتشخيص الحالة ، المؤلم في الأمر ما حدث لأحدهم حيث تم تشخيص حالته بكسر في الحوض وبعد مرور عدة أيام طلب منهم الطبيب نقل المريض إلى المنزل وأنه قابل للتحسن بمجرد المكوث على السرير لمدة تزيد عن الشهر ، حاول أهل المريض إيجاد حل ولكن لا حياة لمن تنادي ، ذهبوا بالمريض للمنزل ولكنه لم يستطيع تحمل الألم مما استدعاهم لنقله إلى مستشفى خاص ، بعد تشخيص الحالة أشار عليهم الطبيب المختص بضرورة إجراء عملية جراحية فورية وأن حالة المريض لا تقبل التأجيل وأن تشخيص ونصيحة الطبيب السابق بعيدة كل البعد عن الحقيقة ، كل هذه الأمور إلى حد الآن عادية وقد تحدث ، المفجع في الأمر اكتشاف المستشفى الآخر لوجود جرح كبير في ظهر المريض نتيجة للحادث وأن هذا الجرح عميق وبدأ يتعفن وقد يؤدي إلى ( غرغرينا ) ، ومن هنا بدأت رحلة علاج أخرى لحالة مرضية يعيشها المريض لم ترد أصلا في التشخيص الأولي . ولولا عناية الله سبحانه وتعالى لآل الأمر لما لا تحمد عقباه ... عموما تكلف أهل المريض مبلغا يزيد عن سبعين ألف ريال لعلاج أبنهم ؛ والسبب وصفة طبيب على عجل ، وتشخيص كيفما اتفق ...
القصة الأخرى لشخص آخر تعرض لحادث مروري أيضا نقل على إثره لمستشفى حكومي آخر وتم تشخيص حالة المريض بكدمات في الكتف وضربة في الرأس ، قدم الطبيب المختص استشارته في ضربة الرأس وقام باللازم ، وقدم طبيب العظام استشارته بأنها كدمات ما تلبث أن تذهب ويذهب معها الألم ، عشرة أيام والمريض يعاني من ألم كتفه حتى انه ينام بمهدئ ويصحو عليه . اضطر ذلك المريض للذهاب لمستشفى آخر وأجرى أشعة لكتفه واتضح له أن كتفه مخلوع وبه كسر داخلي وأن ذلك يستوجب تدخلا جراحيا سريعا وتدخلت عناية الرحمن لتكفيه شر ذلك ... نعود هنا مرة أخرى لوصفة طبيب على عجل ، وتشخيص كما اتفق ...
مريض ثالث يذهب لمستشفى خاص يتباهي بأطبائه ويوزع منشوراته ودعايته في جميع الشوارع ويرغم المارة وراكبي السيارات باقتنائها ، ذهب إليه مريض يعاني من الآلام في المعدة وانسداد في الشهية وشعور بعدم الارتياح ، يتصدر لعلاجه الطبيب المختص ويجري له الفحوصات والأشعة والتحاليل اللازمة وغير اللازمة وبعد مشاورات واجتماعات ، ينفرد الطبيب بالمريض وأحد أقاربه ليخبره أن لديه المرض الخبيث / السرطان ، تتحول حياة المريض المسكين إلى جحيم ويتغير فيها كل شيء جميل – مع إيمانه بقضاء الله وقدره – وبعد العيش لأسبوع كامل من الحالة النفسية السيئة يعاود التشخيص لدى طبيب آخر فيخبره انه سليم وليس لديه أي مرض خبيث بل مجرد صغر في حجم المعدة نتيجة لقيام المريض مسبقا برجيم قاس أدى تلك الأعراض ... وهنا نعود مرة أخرى إلى وصفة طبيب على عجل ، وتشخيص كما اتفق ... وربما في حالات أخرى صرف أدوية في غير محلها ...
كل هذا يحدث بشكل مضطرد ، وهناك قصص كثيرة نسمعها أو نقرأ عنها يوميا سواء في صحفنا أو في مجالسنا أو تحدث معنا ، وللأسف كل يوم تزيد ولا تنقص والمشنور منها ليس إلا النزر القليل ، وما خفي كان أعظم ، علاوة على معاناة كل مراجع لمستشفى حكومي أو خاص عن سوء المعاملة وقلة الإمكانات وقلة وضعف الكوادر المتخصصة فعلا .. من الأدلة على ذلك ما نقرأه عن الشهادات المزورة وتسليمنا لأطباء لا يعرفون من الطب حتى اسمه .
السؤال المحير الذي إجابته محيرة أيضا ... من يحاسب من هنا ؟؟
وزارة الصحة تُنبأ عن تدخلات وعقوبات وتخرج بتصاريح وأخبار ... والحالة تزداد سوءا ...
مستشفيات جديدة تفتح بشكل عجيب ... حتى أننا نرى في الشارع الواحد تنافس بين المستشفيات الخاصة والمغاسل والبقالات ... وكلها تستهدف المواطن المسكين ... وأسعار العلاج والدواء والكشف والتشخيص وما يتبعه من تحاليل وأشعة تزيد ... والمهنية تقل ... والاهتمام يقل ... من يحاسب من ؟ ... ومتى نرى قرارات حاسمة رادعة لكل طبيب متهاون في عمله وكل مستشفى لا تحافظ على جودة ما يقدم فيها من تشخيص وعلاج ...
أسئلة حائرة في قلب وعقل المواطن ... وليس لها إلا الصبر والدعاء ... اللهم شافنا وشاف مرضانا ... ولا تحيلنا إلى من لا يخافك فينا ولا يرحمنا...