الفقر سيسعود ما يراه المجتمع وظائف دنيا

ورد في صحيفة "الاقتصادية" الموقرة يوم 4/12/1429هـ أن امرأة سعودية دفعتها حالتها الاقتصادية للعمل كعاملة منزلية أو شغالة (خادمة) كما نحب أن نسميها. ومن الواضح أن الفقر والعوز قد دفع هذه المرأة لكي تعمل كعاملة منزلية رغم كل المعوقات التي تقف في وجه عمل المرأة السعودية في مثل هذا المجال. ويبدو أنها عملت بهذه المهنة لأنها لم تجد فرصة أفضل للعمل ولا يتوافر لديها مصدر آخر للدخل، كم أنها قد لا تجيد القيام بمهام مهنة أخرى. وليست هذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها بعض السعوديات للحصول على فرص العمل في المنازل، حيث سارت شائعات سابقاً أن بعض السعوديات طلبن مساعدة وزارة العمل لتيسير عملهن كعاملات منزليات وفق ضوابط معينة. وبغض النظر عن صحة هذه الشائعات فلا يوجد أي عيب أو مانع شرعي أو قانوني يمنع أي شخص من العمل كخادم أو عامل منزلي. بل إن الإنسان وخصوصاً المواطن الذي يتحمل المشقة النفسية والاستهانة والإذلال الاجتماعي (وهي من العيوب السيئة في المجتمع الذي يستخف ببعض المهن ويحط من شأن العاملين فيها) في سبيل تأمين رزق حلال يكفيه من الجوع ومسألة الناس، يستحق كل الثناء والتقدير. وينبغي ألا يلتفت الإنسان كفرد إلى استهزاء السفهاء، بل عليه في الدرجة الأولى السعي للحصول على الرزق الحلال ورضا الرب قبل أي اعتبار آخر. وفي المقابل فإن على المجتمع وخصوصاً رجال الفكر والعلم والدعاة العمل على إصلاح المجتمع ودفعة للتخلي عن بعض الأفكار البالية والتي تخالف التعاليم الإسلامية السمحة. وتشجع الشريعة السمحة العمل والكسب الحلال بغض النظر عن نوعه أو مصدره وتحرم الاستهزاء والسخرية بالآخرين.
وتستعين الأسر في مختلف دول العالم بخدمات العمالة المنزلية ولكن بدرجات ونسب مختلفة. وتحكم مهن العمل المنزلي في الدول المتقدمة أنظمة وضوابط العمل وتوافر حماية للعاملين في هذه المجال أسوةً بباقي المهن. وقد دفع السماح باستقدام العمالة الأجنبية وانخفاض أجور العمالة المنزلية الآسيوية مقارنةً بدخول المواطنين في منطقة الخليج إلى الاستعانة بكثافة بخدماتها. ويدفع تفاوت مستويات الدخول في الدول التي لا تسمح بالاستقدام بتوظيف العمالة المنزلية المحلية. فالدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر وتنخفض فيها الأجور ومستويات حماية العمالة تتهيأ فيها البيئة المناسبة للطبقات الأكثر حظاً للحصول على عمالة منزلية بأجور زهيدة. وكما يغذي انخفاض مستويات الأجور انتشار الفقر، يمكِن الفقر الأغنياء من الحصول على عمالة رخيصة والتي من ضمنها العمالة المنزلية. فجميع العمالة المنزلية تأتي عادةً من الطبقات الفقيرة أو الأقل دخلاً، ومن المستحيل أن تجد أغنياء يعملون في المنازل. وما زال عدد المشتغلين السعوديين (رجال ونساء) بالخدمات المنزلية محدوداً وذلك بسبب تدني الأجور مقارنةً بمستويات الدخل وظروف ونوعية العمل غير المقبولة لدى السعوديين والسعوديات. وينطبق الحال على عدد كبير من المهن بل على معظم المهن التي تعمل فيها العمالة الأجنبية الرخيصة. ولا مجال لسعودة هذه الوظائف إلا إذا ارتفعت معدلات أجورها إلى مستويات مقبولة أو لا ـ سمح الله ـ انخفضت متوسطات الأجور في البلاد بشكل عام إلى مستويات قريبة من أجور هذه المهن.

وقد دفع العوز والفقر بعض السعوديين في السابق إلى العمل في جميع المهن والتي منها الخدمات المنزلية، ولكن تحسن ظروف المعيشة خلال الـ 50 عاماً الماضية دفعت إلى التأفف من كثير من الأعمال والمهن. ومن المعلوم أن الفقر يدفع الذين يعانون منه سواءً كانوا رجالاً أو نساءً إلى البحث عن أعمال تسد رمقهم ورمق أسرهم مهما كانت هذه الأعمال وضيعة ودنيا في نظر المجتمع. وتسعى مختلف دول العالم إلى القضاء على الفقر المدقع والذي يتسبب في انتشار الجوع. وتقوم المؤسسات المسؤولة عن الفقر بالبحث عن الفقراء، حيث لا يستطيع كثير منهم الحصول على المساعدة بل إن البعض منهم لا يعرفها ولا يعرف كيفية الحصول عليها. ويحاول عديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية البحث عن الفقراء وإيصال المعونة لهم. وتشكر الجهات التي تبحث عن الفقراء لتساعدهم ولكنها ما زالت في حاجة إلى المتخصصين القادرين على إيجاد الفقراء والتعامل معهم. ويتطلب البحث عن الفقراء أولاً تحديد ماهية الفقر وتحديد خط الفقر. وهذه العملية ليست سهلة كما يتصور البعض، حيث ينبغي كذلك تحديد الاحتياجات الأساسية للأسر حسب حجمها وأعمار أفرادها ودخولها وممتلكاتها. ثم بعد ذلك ينبغي عمل مسح ميداني لتحديد الفقراء في جميع قرى ومدن ومناطق المملكة وهي عملية شاقة ومكلفة وقد يتخللها الاستغلال والأخطاء. وبعد تحديد الفقراء ينبغي صياغة سياسات مكافحة الفقر حيث تغطي حاجة الفقراء وتحاول القضاء على أساس الفقر وتحديد مصادر الفقر والتعامل معها.
إن هناك عديدا من العوامل التي تسهم في نشوء وتفاقم الفقر وأهمها البطالة والتمييز، والأمية، وقلة التدريب، وسوء توزيع الثروة والدخول، وانخفاض الأجور، وسوء بيئة العمل، والتلوث، والأمراض، وأزمات السكن والتضخم والكوارث الطبيعية، والجريمة والفقر بحد ذاته. وللتعامل مع الفقر ينبغي تبني استراتيجية كاملة تشمل تحديد الفقر ثم الفقراء ثم تبني السياسات للتعامل معه والقضاء عليه من جذوره ثم إنشاء وتأهيل المؤسسات القادرة على مكافحته وتخصيص الموارد المالية اللازمة ومراقبة وتقييم أدائها بصورة مستمرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي