رقم "الناقة" معروف!

عنوان هذا المقال عبارة مجتزأة من نص للشاعر العراقي المعروف (أحمد مطر) مما جاء فيه: "لا تهاجر.. رقم الناقة معروف, وأوصافك في كل المخافر!".
والشاعر هنا يحذر المواطن العربي الذي بات مشتبهاً به في أغلب مطارات العالم من الهجرة مؤكداً أنه سيكون مطارداً لافتاً للأنظار في كل بقعة تحط بها قدماه على وجه الكرة الأرضية بسبب سحنته و"كاريزمته" المعروفة التي رمز لها بـ(رقم الناقة)!
و "رقم الناقة" هذا ينفع لأن يكون رمزاً لأشياء كثيرة نختص بها دون غيرنا فعندما يحاول أحد أدبائنا أو مثقفينا المشاهير أن يصدر إصداراً أدبياً باسم مستعار ليمرر من خلاله ما لا يستطيع تمريره باسمه الحقيقي, فإن هناك الكثير من القراء الذين لن تمر عليهم مثل هذه الحيلة, وسيكتشفون المؤلف بمجرد وقوع إصداره بين أيديهم لأن "رقم الناقة معروف"!
وعندما يتابع أحدنا برنامجاً مباشراً تتخلله اتصالات المشاهدين على إحدى الفضائيات العربية فليس من الصعب أن يفرق بين اتصالات المشاهدين الحقيقية والاتصالات القادمة من خلف كواليس استديو البرنامج "لأن رقم الناقة معروف" أيضاً!
وعندما يعفى أو يقال مسؤول في أي جهة, سواء كانت حكومية أو خاصة في أي بقاع الوطن العربي ثم يتخفى خلف اسم مستعار لمراسلة الصحف بكتابات تمتدح إنجازاته أو يوكل بعض الصحافيين والكتاب بالكتابة عنه لامتداح تلك الإنجازات, فلن تنطلي هذه الحيلة على الكثير من قراء تلك الصحف والسبب بكل بساطة هو أن "رقم الناقة معروف" !
وعندما يعمد أحد موظفي العلاقات العامة في أي جهاز حكومي أو خاص للتعقيب في المواقع الإلكترونية الخاصة بالصحف على شكاوى المواطنين من الجهة التي ينتمي إليها أو أطروحات الكتاب الصحافيين الذين ينتقدون تلك الجهة متقمصاً دور المواطن العادي الذي يعتقد أن تلك الشكاوى والأطروحات مبالغ فيها وليست حقيقية مشيداً بشكل ممجوج بجهود تلك الجهة, فهو يمارس لعبة قديمة جداً, وسيكون مكشوفاً أمام الجميع لأن "رقم الناقة معروف"!
وعندما تدلف إلى بيتك بعد يومٍ منهك من العمل وتجد أن زوجتك قد أعدت لك وجبة غداء أو عشاء مميزة موضحة لك أنها عكفت طوال اليوم على تطبيق الوصفة من كتاب الطبخ الذي اشتريته لها في العام الماضي, ومخفية أن تلك الوجبة من إعداد جارتها التي سبق أن دعاك زوجها للعشاء قبل شهر على نفس الوجبة فستضحك في داخلك كثيراً قبل أن تردد أن "رقم الناقة معروف"!
وعندما تلتقي في مكان عام بالشخص (س) الذي ينتمي إلى منطقة أو دولة معينة لمواطنيها سحنتهم ولهجتهم المميزة والمشهورة ثم تفاجأ بأنه يتحدث معك بلهجة المواطن (ص) الذي ينتمي إلى منطقة أخرى تختلف لهجة سكانها بدرجة كبيرة عن الأولى, باذلاً في سبيل ذلك جهداً ذهنياً وعضلياً كبيراً ولا يتمكن رغم هذا كله من إنجاز المهمة بسلام فستتظاهر بأنك لم تشعر بشيء لعدم إحراجه, بينما أنت مقتنع تماماً في قرارة نفسك بأن "رقم الناقة معروف"!
قالت العرب قديماً: "البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير", لكن عرب اليوم نسوا ذلك المثل.. لذلك وتماشياً مع لغة العصر نقول لهم :
عليكم بالحذر يا سادة يا كرام, فـأرقام نياقكم العصرية الجميلة "معروفة"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي