عسس 2009م..!

أطلق اسم (عسس) قديماً على الحراس الليليين الذين كانوا يسهرون عندما ينام الناس متجولين في شوارع المدن تحت جنح الظلام لحفظ ومراقبة الحالة الأمنية ورصد تحركات اللصوص والمجرمين الذين يفضلون بدورهم الخروج لمهماتهم ليلاً بحجة أن للنهار عينين, وهو الوضع الذي غيره العسس فأصبح لليل بوجودهم (عيون) وليس عينان فقط, ولأن العسس التقليديين انتهى زمنهم, فكل مسؤول يسهر على راحة الناس اليوم يصح أن يكون جدلاً من طائفة العسس, كما يصح أن يُطلق هذا الاسم إذا حاولنا فلسفته على كل من يسهر على مراقبة الناس وتحركاتهم وأفعالهم ويعشق أن يدس أنفه في عقولهم وصدورهم مفتشاً عن أفكارهم ونواياهم من باب "اللقافة".
ما ذكرني بالعسس وثقافة (العس) إهداء وصلني من الصديق القاص "سعيد الأحمد", وهو عبارة عن كتاب أنيق من تأليفه يحمل عنوان "عسس" ويمثل آخر إصدارات دار طوى, التي عودت المتابعين على المفاجآت الجميلة والإصدارات المميزة, فما زلت أتذكر من تلك الإصدارات كتاب "حكايتي مع العلمانية" لابراهيم شحبي وكتاب "سياط الكهنوت" لمجاهد عبدالمتعالي وغيرها.
وقد كتب الصديق "الأحمد" على الصفحة رقم 3 من إصداره الجديد بخط يده الذي لا يبدو أنيقاً تماماً كصاحبه ما نصه: "العزيز أكثر مما يجب, هاني.. لا أظن أننا روحان تتفقان في عشق الحياة فقط, بل نتشابه أيضاً في نبذنا للرقة والشعر والخطب, و بـ"عسس" ما يشبه نزعاتك كما يشبهني تماماً .. ودّي"!
ولأنني رجل أجيد ممارسة حسن النوايا فقد فسرت وصفه لي بنبذ الرقة والشعر والخطب على أنه نبذ للحالات العاطفية والشاعرية التي يغرق في غياهبها المواطن العربي بمجرد أن يضع قدميه على هذا الكوكب مروراً بمرحلة الشباب التي يقضيها على أريكته متابعاً آخر الأغاني والمسلسلات والأفلام الرومانسية, حتى شيخوخته التي يتندم فيها على زمن الطرب الأصيل ويتشوق فيها إلى زمن الحب البريء في القرية أو "الحارة" دون أن ينسى بين فترة وأخرى أن يحدث مجالسيه عن خطب الساسة القدماء وقصص البطولات في الحروب العربية بدءًا من داحس والغبراء وليس انتهاءً بحرب احتلال العراق, وهذا بلاء شفاني الله منه منذ سنوات طويلة, ولعل الصديق " الأحمد" لاحظ ذلك فقرر أن يهديني إصداره مطرزاً بهذه الكلمات من باب المساندة المعنوية التي تعمل كحصن منيع ضد الانتكاس بعد الشفاء!
يقول "أبو معاذ" في عسس: "الأبناء أبشع ابتزاز قد تتعرض له, فما أن يُفصل عنهم الحبل السري حتى يلتصقوا بحبلك الشوكي كعلقٍ يمتص دماء جرأتك.. سريعاً ما يكبرون على نصائحك التافهة بدربة قادرة على كسر الأعراف, ونشر وساخات غسيل القبيلة على حبل أعصابك.. الأبناء مدعاة للجبن, وفاتحة للهزيمة.. هم سبب وحيد لتآمرك على السكوت والبقاء طليقاً أكثر وقتٍ ممكن!"
هذا ما كتبه صاحبي عن الأبناء ليبعث في داخل كل قارئ من قراء عسسه مشاعر الهزيمة لكنه لا ينسى أن يغسل تلك المشاعر بقوله في صفحة أخرى: "انتصار أن تصل بيتك بأقل خسائر ممكنة".
وهذا والله الانتصار!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي