ديوان المراقبة العامة وبدلات أعضاء هيئة التدريس.. عندما يخدش الاستقلال يموت
بحكم التخصص اهتم بديوان المراقبة العامة وأتابع لذلك تقاريره ومخرجاته، بقدر ما أستطيع وما يعلنه الديوان بشكل رسمي. قبل أيام نشرت بعض الصحف وتناقلت المواقع الإخبارية الإلكترونية نسخة من خطاب ديوان المراقبة العامة الموجه إلى وزارة التعليم العالي بشأن الجامعات التي تصرف بدل الحاسب الآلي لأعضاء هيئة التدريس وهم غير مشمولين باللائحة وطالب الديوان بإيقاف صرفها لمن لا يستحقها نظاما، كما طالب أيضا بحصر واسترداد جميع ما سبق صرفه من دون وجه حق منها لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات. مع ذلك الخطاب تملكني فضول الأكاديمي فالموضوع يمس شريحة أنتمي إليها.
يستند الديوان في ملاحظته إلى لائحة أعضاء هيئة التدريس الصادرة عام 1418هـ، و"للمعلومية" فقد صدرت هذه اللائحة في مخاض عسير جدا بعد أن سبقتها فقعات صحافية حول التعديلات الجوهرية التي سيشهدها كادر أعضاء هيئة التدريس ليتكشف لنا تعديلا بسيطا في عدد الدرجات وبدل للحاسب الآلي (البدل القضية). مع الإحباط الكبير الذي صاحب تلك الفترة اجتمع وكلاء الجامعات السبع – في ذلك الحين – ليتفقوا على تفسير مناسب للمادة (52) وقررت جامعات عدة ومنها جامعتي الملك سعود والإمام محمد بن سعود الصرف وبدأتا بذلك فعلا وتوقفت جامعات أخرى ومنها بعض الجامعات الناشئة وفقا لقاعدة "لا اجتهاد مع النص". مرت عشر سنوات من ذلك التاريخ الذي اجتمع فيه وكلاء الجامعات ومنذ قررت الجامعات الصرف. عشر سنوات وهناك اختلاف جوهري بين الجامعات في هذا الأمر وغيره كثير لكنه الأكثر جدلا. عشر سنوات لم يلاحظ الديوان ولا وزارة التعليم العالي ولا المالية. ثم لما ازداد الضغط على الجامعات الملتزمة "بالنص" طالبت بالتوضيح والسماح لها بالصرف والمساواة بين الجامعات. عندها فقط تذكر الجميع ومنهم الديوان أن ذلك لا يجوز وأن على الجامعات التي صرفت أن تتوقف وتتراجع. لا أعرف كيف ستنفذ الجامعات خطاب الديوان وقد مضت عشر سنوات، وهناك من أعضاء هيئة التدريس الذين صرف لهم البدل من تقاعد ومنهم من انتقل من التعليم العالي إلى قطاعات أخرى أو إلى ـ رحمة الله ـ؟ كيف سيتابع الديوان استرجاع هذه المبالغ هو الذي لم يكتشف مخالفة الصرف – كما يراها الديوان – مدة عشر سنوات. وإذا لم تفعل الجامعات واعتقد أنها لن تفعل فهل سيكتفي الديوان بإيقاف الصرف؟ وماذا عن أولئك الذين حرموا من البدل عشر سنوات؟ ثم لماذا خاطب الديوان وزارة التعليم العالي بينما المسؤول عن الصرف وصاحب الميزانية والتقرير الذي يجب إدراج الملاحظة عليه هي الجامعات وليست الوزارة؟ لماذا تجنب الديوان توجيه الخطاب إلى أصحاب المعالي مديري الجامعات المخالفة؟ لقد انتهجت الوزارة سياسة غض الطرف عن الجامعات التي تصرف ولم تشجع الجامعات على ذلك لأن الوزارة ترى أن كل مدير جامعة مسؤول مباشرة عن إدارة أموالها وأصولها وهي محقة فلماذا يوجه الديوان الخطاب إليها؟
وبعيدا عن إشكالية البدل والصرف تظهر أمامي قضية كبرى وهي الاستقلال. لماذا لم يتمكن الديوان من اكتشاف مخالفة الصرف كل هذه المدة؟ هل افتقد الديوان للمهنية الكافية في أداء منسوبيه؟ إذا كانت الإجابة بنعم فقد وقع الديوان في خلل جوهري يمس أداءه. فإن قيل لا، فكيف نفسر صمت الديوان عشر سنوات إلا إذا كان قد فقد استقلاله المهني. هذا التساؤل ليس موجها للديوان فقط بل إلى وزارة التعليم العالي والمالية وأن وجهته للديوان مباشرة فهو الوحيد الذي أعلن طلب إيقاف الصرف على صفحات "الجرايد" وكأنه يقول "إنني بريء منكم إني أرى ما لا ترون".
وإذا تجاوزت إشكالية بدل الحاسب وهي معضلة حقيقية فماذا سأقول عن بدلات أعضاء هيئة التدريس المعلنة حديثا. إن متابعة بسيطة للمقالات والتعليقات التي أعقبت صدور اللائحة سيكتشف أن هناك تباينا واضحا في تفسيرها بين الجامعات. ومرة أخرى تقرر وزارة التعليم العالي التزام الصمت أمام معضلات هذه اللائحة. ما المقصود بـ 50 في المائة من السعوديين ليحق للجامعة صرف بدل الندرة؟ هل في التخصص داخل الجامعة الواحدة أم بالنسبة للمملكة بشكل عام؟ بمعنى آخر هل وصول جامعة إلى نسبة 50 من السعوديين في التخصص وجب عليها وقف صرف بدل الندرة بينما جامعة أخرى قريبة منها تصرف لأنها لم تبتعث ولم توظف؟ كيف سيتمكن الديوان من حل معضلة تقييم الأداء هنا؟ وإذا كانت مهنية الديوان لم تتمكن من اكتشاف انحراف صرف بدل الحاسب لمدة عشر سنوات فكيف لنا أن نضمن فعاليتها مع اللائحة الجديدة والمعقدة عشر سنوات أخرى؟ وإذا كانت الجامعات قد اختلفت في صرف بدل منصوص في لائحة واضحة فكيف للديوان مراقبة صرف بدل التعليم الجامعي والذي أشك تماما أن تتفق الجامعات بل الكليات في من يستحقه ومن لا يستحق؟ وإذا اختلفت الجامعات – وهي ستختلف - فمن سينصف ويصرف لمن "التزام قاعدة لا اجتهاد مع نص"، حتى وإن أوقفنا الصرف بعد عشر سنوات؟