حتى تكون مؤهلاً لعضوية مجلس الشورى

اتصل بي صديق بعد الإعلان عن تسمية أعضاء مجلس الشورى للدورة الخامسة وكان يتساءل بعد استعراضه لعدد من الأسماء المألوفة تم اختيارهم, هل هناك إجراء متبع يستطيع من يجد في نفسه الرغبة والكفاية أن يسلكه للحصول على شرف عضوية مجلس الشورى؟ أو هل هناك جهات محددة تتولى عملية الترشيح يمكن الاتصال بها؟, طبعاً هو يتساءل لأنه يرغب في أن يتشرف بعضوية المجلس, ويعتقد في قرارة نفسه أنه لا يقل من حيث التأهيل والكفاية عن عدد من المعينين, لذا يشعر أنه قصر في التعريف عن نفسه وتوانى في إبراز ذاته, وفي ثنايا الحديث لمست لدى صديقي حسرة وربما غيرة ممن تم اختيارهم فمنهم أصدقاؤه وزملاؤه ويشعر كما لو كان في مكان وذهبوا وتركوه وحيداً.
قال صديقي إنه خصني بتساؤله لأنه يعلم أنني متخصص في تطوير الموارد البشرية وخبير في التطوير المهني, لذا فبغض النظر عما باح به جنانه من مشاعر تجاه تخلفه عن دخول القبة الاستشارية, إلا أنه الآن جاد في تحقيق ذلك ويود أن يسلك طريقا يبلغه مراده, وذكرني بمقالي عن الالتزام بمنهج النظم لتحقيق الغايات, وكان صديقي يستحثني أن أبتدع منهجا للتأهل لعضوية مجلس الشورى وأن أخطط مسلكا لبلوغ ذلك يكون متيسراً لمن يستحق أن يمنح فرصة الخدمة العامة في ذلك المجلس الموقر, هذا الاقتراح من صديقي استولى على تفكيري وعزمت بعد التوكل على الله أن أبتدع شيئا من ذلك.
لتكوين منهج للتأهيل لدور ما يجب في البداية دراسة ذلك الدور دراسة عميقة لتحديد السمات والمهارات والمعارف اللازمة لتنفيذ ذلك الدور بفعالية, ولذلك سأسلك منهج تقنية الأداء الإنساني "Human Performance Technology" في فهم العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في دور عضو مجلس الشورى واستيعاب البيئة الداخلية للمجلس والتي تحكم تصرفات وعلاقات الأعضاء فيما بينهم كما سيكون مهماً دراسة أنظمة المجلس وإجراءاته التوثيقية. ولتكوين نموذج مثالي لدور عضو مجلس الشورى سأستخدم نموذج الدكتور داني لانجدون "Danny Langdon" المعروف بنموذج "لغة العمل" الذي يعتمد على كون المعطيات الذاتية من المعارف والمهارات والسمات تمثل لب مكونات الأداء يغلفها قيد الإجراءات والنظم المحكوم بمنظومات العمل الجماعي والمؤطرة بالبيئة المؤسسية للمجلس, أن هذا المنهج العلمي في توصيف دور عضو مجلس الشورى سيقتضي عديدا من المقابلات لأعضاء مجلس سابقين وحاليين لتوثيق الأداء الفعلي لعضو مجلس الشورى والتمظهرات البيئية للمجلس وتوثيق العوامل التي أثرت في كثير من القرارات التي صدرت عن المجلس، كما سيقتضي الاطلاع على ما يمكن الاطلاع عليه من الأنظمة والإجراءات. ثم بعد تكوين النموذج المثالي تأتي صياغة خطة التغيير التي سوف تكون على صورة برنامج تهيئة.
هذا فيما يخص عملية التأهيل لاستحقاق الترشيح لعضوية مجلس الشورى وهي عملية غير مضمونة الحصول على عضوية المجلس فهناك اعتبارات أخرى تأخذ حقها في الاهتمام عند ترشيح أعضاء المجلس وهي اعتبارات مبنية على مفاهيم فكرية راسخة وأخرى براغماتية, فعلى سبيل المثال هناك مفهوم أن بعض من كبار موظفي الدولة التنفيذيين والذين بلغوا مرحلة لم يعد من المناسب استمرارهم في العمل التنفيذي, إما لبلوغ سن التقاعد وإما للحاجة إلى تغيير منهجي في مؤسساتهم أو لقصور صحي يعيقهم عن العمل الدؤوب, وكون هؤلاء يتمتعون بدراية وخبرة وفكر نير, فمن الحكمة الاستفادة من قدراتهم في مجلس الشورى, كذلك هناك مفهوم آخر يرى أن هناك فئة من المواطنين جبلت على تلمس حاجات الناس وبات لهم قبول من قاعدة عريضة من المواطنين ويتمتعون بالمصداقية والرغبة في خدمة الوطن، لذا من المصلحة تعيين المتميزين منهم في مجلس الشورى، ولكن لا مندوحة عن الإقرار بأن فرصة التشرف بعضوية المجلس متاحة لكل مواطن لديه ما ينفع به الوطن من علم وحكمة وخبرة كما أن لديه الرغبة الصادقة لخدمة الوطن ومساندة ولي الأمر في إدارة دفة البناء الحضاري للأمة .
لا شك أن الشخص المؤهل لاستحقاق الترشيح للعضوية بحاجة إلى فهم ميكانيكية الترشيح والاختيار لكي يسلك الطريق الذي يضمن له العرض على صاحب القرار، وحيث مضى على تكوين الدورة الأولى للمجلس ما يقارب ستة عشر عاماً وتم تكوين أربع دورات بعدها، الأمر الذي يقود للاعتقاد بأن هناك نمطية قد تأسست وربما أنه على مر تكوين الدورات الخمس طرأ على تلك النمطية بعض التحسين بحيث أصبحت أكثر رسوخاً، وربما أنه تم توثيق هذا النمطية بحيث تطورت لتكون تنظيم له ضوابط وإجراءات تضمن الجودة في المخرجات، هذه النمطية المفترضة غير معروفة للعامة وبالتالي صديقي وأمثاله كثر تتملكهم الحيرة في كيفية إبداء الرغبة في الترشيح للاختيار, عندما سألت بعضا من الذين حظوا بشرف عضوية المجلس في دورته الرابعة عما إذا كان هناك إجراء مروا به للترشيح للاختيار كانت الإجابة بعدم حصول ذلك بصورة منهجية، وكانت البداية لكل منهم مختلفة، وفي مرحلة ما طلب من كل منهم سيرته الذاتية والطالب هنا لكل سيرة ذاتية شخصية مختلفة، الأمر الذي يوحي بأن هناك إجراء يشمل استعراض السير الذاتية، ولكن من يستعرض تلك السير؟ وكيف يتم الاستعراض؟ وما معايير الاختيار والاستبعاد؟ تظل غير معروفة للمرشحين وهناك كثير ممن طلبت سيرهم الذاتية لم يتم اختيارهم، لذا أجد أن عملية الترشح للاختيار مازالت غير متاحة للتداول العام، ولكن لإكمال بنائية عملية اختيار أعضاء مجلس الشورى لا بد من أن يكون هناك تنظيم واضح يحكم عملية الترشح والاختيار بما يحقق الاختيار الأمثل لأعضاء مجلس الشورى، خصوصاً أن المجلس بني على قاعدة تشريعية تحدد الطبيعة الاستشارية لدوره وكونه مساندا لولي الأمر مما يقود إلى الجزم بأن المجلس لن يتحول في المستقبل إلى برلمان تمثيلي يحكمه الانتخاب، لذا لابد من استكمال العملية التنظيمية للمجلس بتنظيم آلية الترشح والاختيار ليترسخ كيانه كمؤسسة من مؤسسات الحكم الرشيد في الإطار التشريعي للحكم في الإسلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي