داء أصحاب المعالي والسعادة
صدرت التعيينات الجديدة في عدد من مرافق الدولة الرئيسة, التي ترتبط بشكل مباشر بحياة المواطنين مثل التعليم والصحة والإعلام, إضافة إلى القضاء، كما صدرت تعيينات مجلس الشورى وقد لقيت تلك التعيينات ترحاباً كبيراً، وبطبيعة الحال فإن التغيير سنة الحياة ولا يبقى إنسان في منصبه للأبد فهو في نهاية المطاف إما سيرحل من هذه الدنيا وإما سيأتي شخص آخر بدلاً عنه .
وعلى الرغم من أن بعض الناس لا يرحب بالتغيير ويتمنى أن تبقى الأمور كما هي إلا أن هذه التغييرات لقيت صدى إيجابياً واسعاً في مختلف الأوساط، وليس الهدف من التغيير لذات التغيير بل للسعي نحو إتاحة الفرصة لآخرين لتقديم شيء جديد ولتطوير ما هو قائم أو تصحيحه إن كان يسير في اتجاه خاطئ.
ولا شك أن للمنصب إغراءاته ومكانته, التي قد تلهي كثيرين، كما أن كثيرين ومنذ أن يصيبهم داء المعالي تتغير تصرفاتهم وتختلف طباعهم ويصبحوا شخصيات مختلفة تماماً حتى إنني عندما اتصلت ببعض المعينين لتهنئتهم على مناصبهم ووجدتهم يجيبون مباشرة على الاتصال أو يجيبون على ما يرسل لهم من رسائل حمدت الله أن البداية تبشر بخير وسألت الله لهم الثبات.
ولذلك فإنني أتمنى من كل مسؤول جديد تقلد منصباً أخيراً أن يحاسب نفسه يومياً أولاً وأخيراً قبل أن يحاسب الآخرين أو قبل أن يبدأ في نقد من سلفه وتوضيح أخطائه, كما أتمنى أن يهتم بوضع خطة عمل لنفسه ويعلنها ويطلب من الجمهور أن يحاسبه عليها، فعادة مع كل تعيين جديد تأتي آمال جديدة ويرتفع سقف الطموحات ويأمل الناس أن من جاء يكون خيراً ممن مضى.
كما أتمنى من كل مسؤول جديد أن يركز على تحقيق النتائج العملية أو الفعلية وأن يبتعد عن المظاهر وألا يصبح أسيراً للتغطيات الإعلامية والمتابعات الصحفية بل يجعل نتائجه وعمله تتحدث عنه. لقد شبع الناس من الكلام ومن البيانات الصحفية ومن الخطط الاستراتيجية ومن توقيع مذكرات التفاهم التعاونية ومن وضع أحجار الأساس لمشاريع تنموية كثير منها لا يرى النور ومن ورش العمل ومن التوصيات ومن المؤتمرات والندوات وغيرها من الأحداث التي تتكرر بشكل متواصل وفي النهاية يريد المواطن أن يرى شيئا أمامه نتيجة كل ذلك فلا يكاد يجد شيئا يذكر, وذلك على الرغم من الدعم الذي تقدمه الدولة وعلى الرغم من الميزانيات الضخمة التي ترصد وعلى الرغم من المتابعة المتواصلة من خادم الحرمين الشريفين وتوجيهه المستمر في أكثر من مناسبة بأهمية تحقيق الإنجازات إلا أن كل ذلك لم يرق إلى مستوى التطلعات المأمولة.
إنني أتمنى اليوم من كل مسؤول تم تعيينه ألا يكتفي بإعلان الخطط وألا يكتفي بوضع الاستراتيجيات والرؤية الجديدة أو الرسالة الجديدة أو غيرها من الأساليب الإدارية الحديثة بل يحرص كل الحرص على وضع أسلوب محاسبة وقياس لأدائه يعلنه في نهاية كل شهر بحيث يصدر من إدارته تقرير لنتائج عملية موجودة على أرض الواقع فليست العبرة بأنك تعمل ولكن العبرة في نهاية المطاف بما حققته من نتائج، وقد يكون من الأفضل أن يقوم هذا المسؤول, وحرصاً على الحيادية التامة, بتعيين مكاتب استشارية عالمية تقوم بقييم أداء عمله وتصدر التقارير الخاصة بنتائجه.
ولا شك أن التوفيق بيد الله أولاً وأخيراً ولكن يجب على الإنسان أن يسعى وأن يبذل جهدا وأن يطور من قدراته وإمكاناته ويدعم فريق العمل من حوله ليعمل في الاتجاه نفسه بحيث لا يفاجأ هذا المسؤول بأنه يعمل في اتجاه وغيره يعمل في اتجاه معاكس ولذلك فإن أفضل دواء لداء أصحاب المعالي والسعادة هو البساطة ومخالطة الناس والعمل بإصرار وتحد لتحقيق الأهداف المرجوة.