Author

حماة القلعة

|
سسة النقد العربي السعودي(ساما) هي إحدى أهم قلاع ودعائم الاقتصاد السعودي . ومما يحسب لـ "ساما" والقائمين عليها ابتعادهم عن الأضواء بالرغم مما يؤهلهم منصبهم، والنجاحات والقرارات الاستراتيجية الصائبة التي دأبوا على اتخاذها خلال منعطفات اقتصادية مهمة، من التفاخر بما قاموا به . وبمناسبة تسليم أمانة قيادة المؤسسة من معالي الشيخ حمد السياري إلى معالي الدكتور محمد الجاسر، من المناسب النظر إلى الحقبة التي تولى فيها السياري إدارة دفة هذا الصرح الوطني والوقوف عند بعض مراحلها التاريخية . فقد تولى الشيخ حمد السياري منصبه كمحافظ لمؤسسة النقد في عام 1983م وبذلك يكون قد قاد هذا الصرح لأكثر من ربع قرن. خلال هذه الفترة، مرت على المنطقة العديد من الأزمات أهمها الحرب العراقية الإيرانية واحتلال الكويت وأحداث أيلول (سبتمبر) 2001 وأخيراً احتلال العراق. وقد كان لكل من هذه الأزمات تداعيات مهمة على الاقتصاد السعودي وسياسته المالية والنقدية وعلى النظام المصرفي . وخلال هذه الفترة أيضاً تأرجحت أسواق النفط من ارتفاع حاد في أوائل الثمانينيات الميلادية أعقبه انخفاض شديد وطويل في موارد النفط منذ منتصف الثمانينيات وحتى أوائل القرن الحالي، باستثناء فترة محدودة خلال أزمة احتلال الكويت، وحتى الفترة الأخيرة التي تميزت بالوفورات المالية . ولكون البترول هو المورد الأساسي للدولة، فقد تأرجحت مداخيل الدولة من فوائض كبيرة بما في ذلك من تحديات لإدارتها والحفاظ عليها، إلى عجوزات مالية كبيرة بحاجة إلى تمويل وصلت أحياناً إلى 100 في المائة من الناتج المحلي . وخلال هذه الأزمات والتأرجحات الحادة، حافظت المؤسسة بفضل إشرافها الحازم على نظام مصرفي قوي استطاع مواجهة كل هذه التحديات بالرغم من صعوباتها وتعقيداتها . واستطاعت "ساما" أن تمول عجز الميزانية ولسنوات طويلة من الداخل وحمت بذلك الاقتصاد من تدخل الجهات الخارجية. كما حافظت المملكة على سياسة ثابتة لسعر صرف الريال بالرغم من الضغوط لتغيير ذلك في فترات العسر واليسر. فقد تصدت المؤسسة للهجوم على الريال السعودي خلال أيام العجز، كبدت المضاربين عليه خسائر كبيرة، وهو أمر لم تستطع القيام به دول متقدمة مثل بريطانيا . كما قاومت المؤسسة الضغوط لرفع قيمة الريال في فترة الوفر المالي وأثبتت الأيام صواب موقفها عندما انهارت أسعار البترول بصورة سريعة ومفاجئة. أما فيما يتعلق بالسياسة النقدية، فقد استطاعت المؤسسة إدارتها بما يتناسب مع الدورات الاقتصادية للتحكم في التضخم من جهة ’ وتوفير مستويات عرض نقدي متوازنة من جهة أخرى، واتخذت الإجراءات المناسبة عند الحاجة، وكذلك عكس هذه السياسات عندما يتغير الوضع الاقتصادي من خلال استخدام كافة الأدوات المتاحة لها . واتخذت ساما سياسة حازمة فيما يتعلق بالسياسات الإقراضية للبنوك مثلما حدث عندما توسعت البنوك في القروض الشخصية، وحمت بذلك البنوك من نفسها، وحمت المواطنين من الغرق في أعباء ديون ليس لهم القدرة على سدادها، مثلما أدى ذلك إلى الأزمة الأخيرة في أمريكا. كل ما سبق هو مجرد أمثلة على خطوات اتخذتها "ساما"، كانت في وقتها قرارات غير مرغوبة، اعترض عليها كثيرون وتعرضت فيها المؤسسة إلى الانتقاد، ولكن الأيام أثبتت صحة مواقف المؤسسة وبعد نظرها. ولعله من المناسب أن يترك الشيخ حمد المؤسسة بعد نجاح "ساما" في مواجهة واحدة من أصعب الأزمات المالية، التي سقط فيها الكثير من النظريات التي كانت تدعي التطور والابتكار، دون أي تأثير يذكر في النظام المصرفي والمالي السعودي. فاستطاع النظام المصرفي مواجهة الأزمة دون الحاجة إلى برامج إنقاذ لدعم البنوك مثلما اضطرت لذلك بعض الدول التي كانت تقدم لنا "المحاضرات" عن كيفية إدارة النظام المالي، أو حتى بعض الدول النفطية الثرية التي اضطرت إلى التدخل لدعم جهازها المصرفي. كما أن السياسة الحصيفة في إدارة استثمارات المملكة الخارجية والابتعاد عن الاستثمارات ذات المخاطرة العالية أثبتت نجاحها أيضاً بعد تعرض الصناديق السيادية للدول الثرية لخسائر طائلة. والأهم من ذلك كله، تبقى مؤسسة النقد مفخرة للوطن لحكمتها وسمعتها الرفيعة التي استطاعت من خلالها كسب إعجاب واحترام العاملين في المجال المالي والمصرفي على مستوى العالم. ويتسلم الأمانة الدكتور الجاسر، وهو من نفس المدرسة التي قادت النظام المصرفي خلال العقود الماضية بكل حكمة وبصيرة، وسيكون إن شاء الله خير خلف لخير سلف. وستبقى القلعة على عهدنا بها مصدر قوة ورفعة وفخر للمملكة العربية السعودية.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها