Author

الامتحانات وطقوس غريبة

|
يجلس أمام التلفاز واضعاً أمامه الريموت كنترول بجانب الكتاب بعد أن كتم صوته ليرى الصورة فقط دون الصوت .. وعن يمينه عدة كتب وملازم ومجموعة من الأقلام ذات الألوان المختلفة وأدوات متفرقة وعن يساره حافظتا القهوة والشاي ومعهما شيء من المكسرات والبسكويت وتقبع خلفهما المدفأة الكهربائية ليس لأن الجو بارد ولكن ليشعر بأن أحداً يحاكيه ويشاركه همومه ومصائبه .. والأهم من ذلك كلّه أن يكون هاتفه الجوال قريباً منه دون إغلاقه تحسباً لأي اتصال طارئ يأتيه أو رسالة تائهة يستقبلها هاتفه تكون فاتحة خير له وفيها معلومات لها أهمية في مادة يوم غد قد تسربت بشكل أو آخر .. وإن لم يكن كذلك فإنه خير من يعين للهروب من المذاكرة فهو حريص على الإجابة على كل الاتصالات الواردة لتبعده قليلاً عن جو المذاكرة .. فالمكالمة التي تستغرق دقيقة من الزمن لا يمنع أن تطول إلى عشر دقائق أو أكثر. تختلف طرق المذاكرة وكل شيخ على طريقته .. فأحدهم لا يستطيع التركيز أو الفهم إلا وهو يمشي فمكان المذاكرة المخصص له هو أكبر غرفة في البيت.. وآخر لا يستطيع استيعاب شيء حتى يرفع صوته إلى أعلى حد لدرجة أن يهجر جيرانه الغرف التي بجانب غرفته حتى انتهاء الامتحانات فالجيران هم أول من يحس بانتهاء آخر امتحان لدى جارهم المسكين الذي ما إن ينتهي حتى يبدأ بعلاج صوته المبحوح. يشتري بعضهم لنفسه سبورة يعلقها على أحد جدران غرفته ويتخيل نفسه معلماً ليقوم بشرح ما فهمه أو حفظه على طلابه الذين لا يراهم سواه وكأن جنوناً قد أصابه.. وهكذا تمضي أيام الامتحانات وهو معلم مجد يشرح بكل إخلاص وتفان . أما الأغرب منهم جميعاً فهو من يذاكر على فراشه فالمذاكرة لديه هي المذاكرة بنكهة النوم فأحب مكان لديه هو الفراش ولذلك فإن الاستيعاب لديه وفي ذلك المكان خصوصاً سيكون أعلى ما يمكن أن يكون . أما الذهاب لدورة المياه فتصبح في أيام الامتحانات متعة لوحدها فقضاء الحاجة لا يستغرق أكثر من دقائق معدودة في الحالات الطبيعية ولكنه في هذه الأيام فإنه يستغرق العشرات من الدقائق .. وهكذا فإن الأكل يطاله التغيير أيضاً فهو أو هي من تريد أن تطبخ في الوقت الذي كانت لا تدخل المطبخ حتى في المناسبات .. أما إذا أراد أو أرادت الأكل من خارج المنزل فالمطعم البعيد هو الألذ. المكياج الكامل هو أحد الطقوس فبعض الطالبات لا تستطيع الاستيعاب إلا بعد أن تضع الماكياج على وجهها وشيئاًَ من الحلّي لتكون في حالة نفسية مستقرة ومزاج عال يساعدها على الاستيعاب. ستمر أيام الاختبارات بغلظتها ومرّها وثقلها كما مرت علينا وعلى الآلاف بل الملايين من الطلاب والطالبات لتصبح ذكرى تتلذذون بذكراها كما أتلذذ أنا بها الآن.
إنشرها