الاستراتيجية الوطنية للصناعة.. التركيز على الصناعات الملائمة للتصدير

اعتمد مجلس الوزراء الموقر الاستراتيجية الوطنية للصناعة لحماية اقتصادنا من التقلبات المفاجئة ومن الاعتماد الكلي على مورد واحد. وتنمية الصناعة في بلادنا ليست وليدة اللحظة فقد بدأ الاهتمام بها منذ الخطة الخمسية الرابعة (1985 - 1989). عندما انخفضت أسعار النفط نهاية القرن الماضي بدأ الخوف يدب خشية ألا نجد مصدرا يعوض إيرادات النفط، عندها شُكلت اللجان لدراسة البديل المناسب وكان من نتاجها إعداد خطط وإنشاء مراكز لتشجيع الصناعات فالهدف كان منصبا على الصناعات القابلة والملائمة للتصدير وهذا يتطلب التعرف على المنتجات التي تناسب الأسواق الأجنبية.
ذكرت في مقال سابق أن علماء الاقتصاد والتسويق الدولي يرون أن الصناعات التي تركز على المنتجات التقليدية لا تمثل المورد الاستراتيجي الآمن للدول لأنها عرضة للتقلبات المفاجئة. المنتجات التقليدية هي التي لها مساهمة تاريخية في الدخل الإجمالي للدولة وتمثل نسبة كبيرة من الصادرات مثل: النفط في السعودية، والقطن في مصر، والبن في البرازيل، الشاي في كل من الهند والصين، والصوف في نيوزيلندا. أما المنتجات غير التقليدية فهي على العكس تماما هي تلك المنتجات التي ليس لديها مساهمة تاريخية في دخل الدولة ولا تمثل إلا نسبة بسيطة من الصادرات. ويعد البلاستك، مواد البناء، الجلود والنسيج، المنتجات الورقية، المفروشات، المنتجات الزراعية والحيوانية منتجات غير تقليدية في السعودية بينما النفط والغاز منتجات غير تقليدية في كل من الهند ومصر. وكما ذكرت في المقال ذاته أن الدول إذا أرادت أن تكون بعيدة عن التقلبات الاقتصادية وتحافظ على سلامة اقتصادها وخططها التنموية فيجب عليها أن تستغل جزءا من إيرادات الصادرات التقليدية لتغذية وتنمية قطاع الصناعات غير التقليدية القابلة للتصدير.
أما السلع التي تعتمد على الموارد الطبيعة النادرة للدولة فيجب ترشيدها حتى لو كانت غير تقليدية. فعلى سبيل المثال: يعد الماء موردا طبيعيا نادرا في بلادنا كما أن جزءا كبيرا من مخزون المياه الجوفية قد استنفد إبان الثمانينيات من القرن الماضي في إنتاج بعض المحاصيل، لذا يجب قصر الإنتاج الزراعي على المحاصيل التي تمثل أمنا غذائيا للدولة كالقمح أو التمور وتوجه إلى الاستهلاك المحلي فقط دون التصدير.
وقبل إعداد الخطط الاستراتيجية للصناعات الملائمة للتصدير يجب معرفة عدة حقائق منها:
1. يجب أن نعرف التصنيف المناسب لبلادنا عالمياً، فهناك عدة منظمات دولية تقوم بتصنيف الدول كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، الانكتاد، وهيئة الأمم المتحدة. البعض منها يستخدم عاملا واحدا عند التصنيف كمعدل دخل الفرد وهذا غير دقيق لأنه يصنف دولا على أنها متقدمة وهي لم تكمل بعد بنيتها التحتية. منظمات أخرى كهيئة الأمم المتحدة تأخذ في الحسبان عدة عوامل مرتبطة بنمو بعض المرافق الحيوية، وبهذا تصنف الدول إلى ثلاث فئات: دول متقدمة Developed country ودول نامية Developing country ودول أقل نموا Less Developed country وقد أضيفت السنغال إلى قائمة الدول الأقل نموا عام 2003 وبذا ارتفع عددها إلى 50 دولة، وتصنف السعودية وفقا لهذا المعيار كدولة نامية. لذا يجب عند إعداد الخطط الاستراتيجية للصناعة الاعتماد على تصنيف هيئة الأمم المتحدة وعدم الاغترار بالتصنيفات الأخرى مهما كانت براقة كما تفعل الصين التي تناضل من أجل تصنيفها كدولة نامية لأن هذا يعفيها من كثير من الأعباء الدولية ويسمح لها بدعم بعض صناعاتها الاستراتيجية في عصر العولمة.
2. يجب دراسة واقع الصناعات الحالية في بلادنا ومدى قابلية مخرجاتها للتصدير. فالحقائق الإحصائية تقول إن منتجات مواد البناء تمثل أعلى نسبة 20 في المائة وتبلغ صادراتها 20 في المائة من إجمالي الصادرات غير النفطية، يليها المنتجات الكيماوية والبلاستيكية بنسبة 18 في المائة وتمثل صادراتها نحو 17 في المائة. بينما المنتجات الورقية والمفروشات تعد أقل أنواع الصناعات السعودية بنسبة 8 في المائة وتمثل صادراتها نحو 4 في المائة من إجمالي الصادرات غير التقليدية.
3. يجب دراسة وتقييم الجهات المعنية بتشجيع الصناعات والتصدير في بلادنا وتحديد نوعيتها هل هي حكومية أم قطاع خاص. بعض الدول تسند مهمة دعم الصناعات والتصدير إلى القطاع الخاص مثل: فرنسا والبرازيل، بينما دول أخرى تعهد بهذه المهمة لجهات حكومية كما هو الحال في ألمانيا ونيوزيلندا. البعض الآخر يشرك كلا من القطاع الحكومي والخاص في الإشراف على قطاع الصناعة والتصدير كما في اليابان، إيطاليا، تركيا، وبلادنا تندرج تحت هذا النوع. المشكلة التي تواجه النوع الأخير ليست في إشراك قطاعات متباينة في هذه المهمة بل في الازدواجية وصعوبة التنسيق بينها.
4. تفيد نتائج الدراسات الميدانية أن قطاع الصناعات غير التقليدية القابلة للتصدير في السعودية تنقصه عدة خدمات، أهمها: عدم توافر مراكز معلومات متخصصة، عدم وجود شركات خاصة بالنقل والتوزيع، البعض يطالب بمعهد لتدريب المصدرين، وبنك متخصص لتمويل الصادرات. وفي المقابل وجد أن المعارض السعودية في الخارج وسهولة إجراءات التصدير تتميز بكفاءة عالية في تقديم خدماتها للشركات السعودية.
هذه بعض الحقائق التي أرى أهمية معرفتها قبل الخوض في إعداد الاستراتيجية الوطنية للصناعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي