جمعيات .. "كيف الحال"؟
هل يمكن أن يعارض أحد إنشاء الجمعيات المهنية أو الخيرية بكل أنواعها وأصنافها وتخصصاتها، وتوسيع قاعدتها لخدمة أكبر قدر من المستفيدين والمنتسبين؟ لا يحتاج الرد إلى كثير من الفلسفة، فالكل يؤيد تعميق وتوسيع مؤسسات المجتمع المدني بكل أطيافه لكن الأمر أيضا يحتاج للتقنين والضبط العاقل بحيث تؤدي الجمعيات أيا كان اسمها دورها بفعالية في المجتمع.
في الفترة الأخيرة ذهبت وزارة الشؤون الاجتماعية بعيدا، وأخذت بالترخيص لعدد من الجمعيات الخيرية في بعض المناطق بدعوى دعم مؤسسات المجتمع المدني، ولكن للأسف أن بعضها في مواقع نائية بل في قرى لا توجد فيها أي خدمات حكومية كما حدث في منطقة حائل.
خطورة مثل هذه الخطوة أنها تفتح الباب أمام ظهور مزيد من الجمعيات الهزيلة التي لا تتوافر فيها الإمكانيات المطلوبة، فضلا عن وجود العدد الكافي من المستفيدين الذين يبرر وجود الجمعية. وإذا عرفنا حال كثير من الجمعيات الخيرية الحالية التي تعاني مشاكل في التمويل والصرف وتوافر الكوادر المؤهلة التي تدير العمل الخيري بحرفية يمكن لنا تخيل الحال التي ستؤول إليها الجمعيات الجديدة بل قطاع الجمعيات بأكمله.
إن توسيع القاعدة بشكل عشوائي وتحقيقا لرغبات أفراد ليس إلا، لا يهدد القطاع فقط، بل إنه يخلق مزيدا من الضرر ويتعارض من خطط الدولة التنموية التي تركز على بناء تجمعات سكانية تتوافر فيها الإمكانيات اللازمة للحياة الكريمة، وليس أدل على ذلك من صدور قرار مجلس سياسة التعليم التي حددت مسافة 50 كيلو مترا لافتتاح مدرسة جديدة. فكيف لنا فهم سياسة تركز على توحيد الجهود ودمج القرى النائية لوقف الهدر التنموي وتجاوز أخطاء الماضي، وسياسة أخرى تسمح بفتح مزيد من الجمعيات الخيرية وتشتيت الجهود.
إجرائيا، فإن افتتاح جمعية خيرية يفترض ألا يخضع فقط لمركزية الوزارة بل يكون بالدرجة الأولى مسؤولية الإدارة المعنية في المنطقة التي هي تابعة أصلا للوزارة بالتنسيق مع الحاكم الإداري لضمان اتساق العمل، ومعرفتها بظروف كل منطقة حتى لو صدر القرار من الوزير المعني.
إذا صدقنا عذر الوزارة بأن ما يحدث عبارة عن محاولة لتوسيع قاعدة مؤسسات المجتمع المدني فكيف نفسر تجاهل القطاع الثالث بمختلف مؤسساته المدنية في ملتقى المسؤولية الاجتماعية الذي لم يجف حبره حتى الآن. وبالإمكان العودة إلى عنوان الملتقى لنعرف أنه كان بعنوان " ملتقى الشراكة والمسؤولية الاجتماعية بين القطاع العام والقطاع الخاص"، فأين مؤسسات المجتمع المدني؟ أم أن الهدف تسجيل سبق تاريخي من خلال رفع عدد الجمعيات إلى رقم قياسي فقط! إن كان الأمر كذلك فإننا لا نقول إلا: كيف الحال؟