أناشدكم بالله أنقذوني!

نظرت إلى يديّ بالأمس وقلبتهما متفحصاً لثوانٍ قبل أن أعود لقراءة محتوى إعلان منشور في إحدى الصحف المحلية يتهم القراء باختطاف "عفاف" شاب في حاجة إلى المساعدة المادية ليتمكن من الزواج خوفاً على نفسه!
والإعلان المذكور عبارة عن إعلان تستخدمه إحدى الجهات الخيرية المهتمة بمساعدة الشباب على الزواج حيث صور شاباً "متلثماً" يخاطب القراء بقوله: " أناشدكم بالله.. أرجوكم.. أخاف على نفسي.. تكاليف الزواج كبيرة وعفافي بأيديكم"!
هذا ما جاء في الإعلان, وآمل ألا تنخدعوا وتتفحصوا أيديكم بحثاً عن عفاف أحدهم مثلما فعلت, كما آمل أن تعيدوا قراءة العبارات السابقة جيداً ثم تسألوا أنفسكم عن توقعاتكم لمدى تقبل الناس نفسياً لعملية خروج أحدنا إلى الشارع ماداً يده لهم ومردداً تلك العبارات بغرض جمع تكاليف شراء زوجة المستقبل! ما هذا يا سادة؟! كيف يصوّر الشاب السعودي بهذا الشكل الشهواني غير القابل للسيطرة ويصور المجتمع بأكمله كمصاص دماء، حيث أصبحت عملية الزواج فيه مرتبطة كلياً بمبالغ من المستحيل جمعها إلا بتدخل أهل الخير؟ وأنا هنا لا أعترض أبداً على نشاط تلك الجهة الخيرية أو أحاول التقليل من شأنها وجهودها الخيّرة بل جل اعتراضي على الطريقة التي تم بها الإعلان عن نشاطها بشكل يسيء لصورة شبابنا ومجتمعنا!
ثم إنني أتساءل عن ردة فعل تلك الجهة إن قررت أن أنشر إعلاناً في الصحيفة نفسها وفي المكان المنشور فيه إعلانها نفسه كرد على صرخة الشاب فحواه: "عليك بالصوم فإنه لك وجاء" مقتدياً في ذلك بحديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام؟!
إنني أعتقد جازماً أن ثقافةً كالتي يسوق لها أسلوب ذلك الإعلان تمثل داعماً حقيقياً للجشع الذي يتصف به بعض أولياء أمور الفتيات, فبدلاً من أن نعمل على تكريس الوعي لدى الشباب بعدم الاندفاع وراء طلبات أولئك الجشعين وعدم الاندفاع وراء المظاهر الكاذبة التي تعوق عملية زواجهم, بتنا نعمل على إقناع هؤلاء الشباب أنه من المستحيل عليهم الزواج أو حتى المحافظة على عفافهم إن لم يجدوا من يمدهم بالمال, بل إن عفافهم ليس في أيديهم من الأساس!
ثم إن هناك مسألة مهمة يجب أن أشير إليها وهي مسألة تكشف الموقف النفسي لمصمم الإعلان حينما اختار لهذه المهمة شاباً "ملثماً" بشكل يدل على أنه يرتكب فعلاً مخجلاً.. وهذا أمر صحيح.. فلماذا لم ينصح الإسلام من لم يستطع توفير تكاليف الزواج أن يخرج للتسول حفاظاً على عفافه, أو يصنفه ضمن مستحقي الزكاة طالما أن العفاف مرتبط بتلك التكاليف المادية فقط؟!
إن تسطيح القضية بهذا الشكل وتصوير الزواج على أنه مجرد مجال لتفريغ الشهوة التي يستلزم تفريغها دفع بعض المال ينم عن تصور جاهل لمفهوم الأسرة ويكرس لثقافة تسليع المرأة وتحويلها إلى مجرد أداة تستخدم لحفظ عفاف أحدهم لا أكثر!
بقي أن أقول إنني عندما أنتقد مثل هذا الطرح في إعلان صادر عن جهة خيرية فأنا أنتقد بقلم المحب لا المترصد كما قد يفهم البعض, ولذلك يجدر بي أن أنصح الجهات الخيرية والاجتماعية أن تتنبه لإعلاناتها وتفكر جيداً في الطريقة السليمة لصياغة الرسالة التي تريد أن توجهها من خلال إعلاناتها بشكل لا يسيء للمجتمع بشكل عام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي