قصة أحمد بن حنبل والخباز
أرسل لي ابن أختي قصة سمعها من خطيب الجمعة، ولم أعرف مصدرها ولكن إن صحت فهي جيدة، وهذه القصة وأمثالها تروج في الأساطير الشعبية لترسيخ مفاهيم معينة، ولذا وجل عرضها على منهاج السبر والنقد، ولكن لنسمع القصة أولا:
كان الشيخ احمد مسافراً فمر بمسجد يصلي فيه، ولم يكن يعرف أحدا في تلك المنطقة، وكان وقت النوم قد حان؛ فافترش الشيخ أحمد مكانه في المسجد، واستلقى فيه لينام، وبعد لحظات إذا بحارس المسجد يطلب من الشيخ عدم النوم في المسجد، ويطلب منه الخروج، وكان هذا الحارس لا يعرف الشيخ أحمد، فقال الشيخ أحمد لا أعرف لي مكانا أنام فيه ولذلك أردت النوم هنا؟ فرفض الحارس أن ينام الشيخ، وبعد تجاذب أطراف الحديث قام الحارس بجر الشيخ احمد إلى الخارج جراً والشيخ متعجب، حتى وصل به إلى خارج المسجد.
وعند وصولهما للخارج، إذا بأحد الأشخاص يمر بهما والحارس يجر الشيخ فسأل ما بكما؟
قال الشيخ أحمد: لا أجد مكان أنام فيه، والحارس يرفض أن أنام في المسجد؟!
قال الرجل تعال معي لبيتي لتنام هناك، فذهب الشيخ أحمد معه، وهناك فوجئ الشيخ بكثرة تسبيح هذا الرجل وهو يعد العجين، وقد كان خبازاً ويعمل في المنزل، وكان الرجل يكثر من الاستغفار، فأحس الشيخ بأن أمر هذا الرجل عظيم من كثرة تسبيحه ..
فنام الشيخ وفي الصباح سأل الشيخ الخباز سؤالاً وقال له: هل رأيت أثر التسبيح عليك؟
فقال الخباز نعم! ووالله كل ما أدعو الله دعاء يستجاب لي، إلا دعاء واحد لم يستجب أبدا حتى الآن، فقال الشيخ وما ذاك الدعاء؟
فقال الخباز أن أرى الإمام أحمد بن حنبل؟!
فقال الشيخ أنا الإمام أحمد بن حنبل فوالله إنني كنت أجر إليك جراً، وها قد أستجيبت دعواتك كلها ..
وهذه القصة يستفاد منها فوائد جمة عن الحماقة والصبر، وإقراء الضيف والذكر والتسبيح، ومعنى استجابة الدعاء بطريقة لطيفة جدا، فالله لا يهمل ولكنه يمهل حتى تنضج ساعة الاستجابة، وهو الحكيم الخبير.
وأذكر من قصص الإمام أحمد بن حنبل أيضا قصته مع الإمام الشافعي حين طلبت منه ابنته أن يستضيف الإمام الشافعي وكانا متعاصرين وكل منهما حجة في علمه، احد في الحديث والشافعي في الفقه، مثل الفرق بين الطبيب والصيدلي وكلاهما صاحب فن.
فلما جاءه في الليل قدم له العشاء فأكل ثم قام فنام بعدها ثم صلى صبحه، وفي الصباح سأل ابنته كيف وجدت الإمام الشافعي فقالت: أكل كثيرا ونام كثيرا وصلى صلاة الصبح من دون وضوء؟
فنقل له ذلك فقال أي الشافعي: أصابت في اثنتين وأخطأت في واحدة!!
فأما أني أكلت كثيرا فصحيح فقد أكلت كثيرا لأن مالك حلال فأردت أن أستزيد من الحلال..
وأما أنني صليت الصبح من دون وضوء فصحيح لأنني صليته بوضوء العشاء ولم أنم طول الليل فقد كنت منشغلا بحديث : يا عمير ما فعل النغير وربما ألهمته بنت أحمد بن حنبل التفكير فيه؟
تابع الشافعي فاستخرجت من الحديث بضعا وسبعين حكما؟
ولقد راجعت "زاد المسلم" فيما اتفق عليه البخاري ومسلم لأرى الأحكام التي استخرجها وقد أوردها الشنقيطي بتفصيلاتها من مثل جواز مداعبة الصغير وإمساك العصفور بخيط وملاعبة الطفل للعصفور وجواز الدلع للطفل وتصغير الاسم وما إلى ذلك..
وهكذا ومن هاتين القصتين نطلع على قمم من الشموخ الفكري من تاريخنا، والله يعلم وأنتم لا تعلمون..