رفع دعوى على شركات التبغ .. هل سيحد من انتشار التدخين في المجتمع؟
طالعتنا الصحف وبعض القنوات الإخبارية بخبر عن وزير الصحة يتعلق بدعوى رفعتها الوزارة على شركات التبغ بعشرة مليارات دولار مقابل الخسائر التي تكبدتها الوزارة من آثار التدخين، وصرح بأن مجموعة إم. بي. سي أيضا امتنعت عن عرض إعلانات تجارية قيمتها 500 مليون ريال.
الحقيقة أن مثل هذا الجهد لا يمكن أن نقلل من شأنه, فهو جهد مشكور, خصوصا عندما تقلب في صفحات الشبكة العنكبوتية ستجد أن الوزارة خصصت موقعا إلكترونيا لبرنامج مكافحة التدخين في وزارة الصحة, وحسبما ورد في رسالة البرنامج:
"برنامج حكومي يقترح الأنظمة والإجراءات ويقدم أنشطة وفعاليات وقائية وعلاجية للحد من انتشار ظاهرة استخدام التبغ بين جميع شرائح المجتمع في المملكة وفقاً لأفضل الوسائل الحديثة للوصول إلى مجتمع صحي بالتعاون مع الجهات الأخرى مستثمرين الكفاءات المتميزة".
وهذا جهد يحتاج إلى كثير من الاهتمام والتشجيع ولكن يبقى أن هناك أمورا لا بد أن تؤخذ في الاعتبار ليكون هناك خطوات عملية وعلاج حقيقي للمسألة.
فقبل كل شيء نحن نعلم حجم الأضرار الذي يسببه التدخين, ورغم أن الأطباء لم يتوصلوا بشكل قطعي إلى مسببات أمراض السرطان إلا أنهم اتفقوا على أن التدخين سبب رئيس لتلك الأمراض، وأصبح عدد الوفيات بسبب التدخين عددا كبيرا سنويا يتجاوز الوفيات الناتجة بسبب الحروب في العالم، وليست المشكلة فقط في حجم الوفيات, إذ إن الموت أمر نؤمن بأنه حق، وأن الإنسان لن يموت قبل اليوم الذي حدده الله له، لكن المسألة تتعلق بحجم المعاناة والأمراض التي سيعانيها المدخن خلال حياته, والمسألة لا تقف عنده هو فقط بل سيكون أثرها في أسرته وأبنائه، خصوصا بالنسبة للأم المدخنة, حيث ثبت علميا أثر ذلك في الجنين والرضيع.
ومن العجيب رغم أن المجتمع السعودي يعد مثل هذه العادة – وهي التدخين – عادة غير مقبولة دينيا واجتماعيا وتتنافى تماما مع التقاليد, إلا أن المملكة – وحسب تقرير عرضته قناة "العربية" الإخبارية – تعد في المرتبة الربعة في حجم الاستهلاك للسجائر رغم أنها لا تستفيد منه اقتصاديا حيث إنها لا تسمح بزراعة التبغ ولا تصنيعه.
وهذا يدعونا إلى تساؤل عن حجم الجهود المبذولة لمحاربة هذه العادة السيئة والحد من انتشارها في المجتمع, خصوصا بعد بوادر انتشارها بين الفتيات, خاصة أنه في فترة ماضية كان لا يتصور تدخن المرأة في المجتمع السعودي. ولذلك ومع التقدير لكل الجهود التي تقدمها وزارة الصحة إلا أنه ينبغي أن تكون هناك هيئة عليا تهتم بصحة المواطن يكون دورها التنسيق بين الوزاراة والجهات ذات العلاقة, حيث إنه وكما جاء في الخبرعبر موقع "العربية" الإلكتروني: "وتعمل الوزارة في هذا السياق على الضغط من أجل سن قوانين تمنع بيع التبغ للأطفال والمراهقين، وحظر التدخين في الأماكن العامة وأماكن العمل، وإجراء الدراسات والإحصاءات اللازمة لرصد الظاهرة والتعامل معها".
ويضاف إلى ذلك أنه لا بد أن تكون هناك معايير لنوع السجائر التي يسمح بدخولها, حيث إنه وحسبما ذُكر لي – وإن كنت غير متأكد من المعلومة – أن المواد الضارة الموجودة في السجائر التي تباع في السوق المحلية أشد تركيزا من التي تباع في أسواق الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية.
كما أنه لا بد من إعادة النظر في أسعارها التي تباع بها في الأسواق المحلية, حيث إنها تباع في بعض الدول بأضعاف قيمتها في السوق المحلية.
كما أنه لا بد من التركيز على توعية الطلاب في المدارس بخطر هذه الآفة وأن تكون هناك حملات في المدارس المتوسطة والثانوية، ووجود برامج لتوعية الآباء والأمها بكيفية التعامل مع أبنائهم والاهتمام بهم كيلا يقعوا في هذه العادة.
وهذه التشريعات والأنظمة التي تحاول وزارة الصحة الضغط لسنها لا تختص بجهة واحدة بل تدخل ضمن مسؤوليات أكثر من وزارة ومؤسسة, ولذلك كان لا بد أن تكون هناك هيئة تعمل على التنسيق بين تلك الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، والاستماع إلى آراء أفراد المجتمع والمختصين فيما يتعلق بالصحة العامة لتحقيق تلك المقترحات ومتابعة تنفيذها.
خصوصا أنه من خلال قراءة رؤية برنامج مكافحة التدخين في الوزارة أنها تطمح إلى أن تكون المملكة من أقل دول الخليج في انتشار التبغ عام 1432هـ، والأمل أن تختفي هذه العادة بين أفراد المجتمع.
أما فيما يتعلق بالقرار الذي اتخذته مجموعة إم. بي. سي فهو قرار إيجابي ونتمنى أن تحذو باقي القنوات حذوها, لكن المؤمل أيضا أن يكون هناك عمل أكبر, وذلك بإعادة النظر في البرامج التي تشجع على التدخين، والتي يعرض فيها أبطال تلك البرامج من أفلام ومسلسلات وغيرها وهم يدخنون بشكل يؤثر في سلوك الشباب والشابات, حتى إنه قد تكون موضة بينهم وإن كانوا مقتنعين بأن التدخين سلوك سلبي، وهذه البرامج مع الأسف تؤثر في جميع أفراد الأسرة سواء الأب أو الأم أو الأطفال.