Author

فرص الأزمة المالية العالمية

|
الأزمة المالية العالمية تعكس آثارها صورة قرآنية بالغة الدلالة عظيمة الرؤية في قوله تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) طه/ 123-125. ويعكس أسبابها والسعي نحو سبل علاجها صورة قرآنية ربانية بالغة الإعجاز في قوله تعالى: "سنريهِم آياتِنا في الآفاق وفي أنْفُسِهم حتى يتبيَّن لهم أنه الحقُّ" فصلت:53. وكل هذا يؤكد أن المستقبل - بإذن الله تعالى - للاقتصاد الإسلامي. كشفت الأزمة المالية العالمية عن إفلاس النظام الرأسمالي، واتجاه قادة العالم للبحث عن نظام اقتصادي أكثر عدلا، ولا يوجد نظام اقتصادي ذات عدل مطلق سوى النظام الاقتصادي الإسلامي, الذي يقوم على الاستثمار الحقيقي لتوسيع القاعدة الإنتاجية، ولا يفصل بينه وبين الاستثمار المالي، فكل تيار مالي لا بد أن يقابله تيار سلعي في ربط محكم. كما أن النظام الاقتصادي الإسلامي وضع سياجا يحول دون الوقوع في الأزمة المالية الحالية بتحريمه أسبابها من ربا وبيع ديون ومقامرة. وفطن عديد من عقلاء الغرب إلى قيمة النظام الاقتصادي الإسلامي، ففي افتتاحية لمجلة "تشالينجز" Challengerفي أيلول (سبتمبر) 2008 كتب رئيس تحريرها بوفيس فانسون Bea fils Vincent موضوعاً بعنوان (البابا أو القرآن) تساءل فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ وقال: "أظن أننا في حاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود". كما طالب رولان لاسكين Roland Laskine رئيس تحرير صحيفة "لوجورنال د فينانس" Le Journal des fienance في مقال له - في افتتاحية الصحيفة في أيلول (سبتمبر) 2008 بعنوان: "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟" بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة. ودعا مجلس الشيوخ الفرنسي إلى ضم النظام المصرفي الإسلامي للنظام المصرفي في فرنسا، وتدرس وزارة الخزانة الأمريكية أبرز ملامح أعمال الصيرفة الإسلامية ومدى الاستفادة منها في علاج الأزمة المالية العالمية. كما تعكف المؤسسات المالية والحكومة الأسترالية على دراسة إدخال نظام الصيرفة الإسلامية ومبادئها إلى النظام المالي الأسترالي. وكل هذا الأقوال والأفعال التي انطلقت من هنا وهناك تأتي لتنتصر لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم (إلا تنصروه فقد نصره الله) التوبة /40، فالذين تطاولت ألسنتهم ووسائل إعلامهم بسبه - صلى الله عليه وسلم- للنيل منه أبى الله إلا أن يبحثوا عن منهجه الاقتصادي ليخرجهم من ظلمات الأزمة المالية. والأزمة المالية العالمية بذلك فتحت المجال أمام البديل الإسلامي ليتبوأ مكانه الصحيح في الاقتصاد العالمي. وهى في حقيقتها تُعدّ فرصة تاريخية لنكون - نحن المسلمين- إيجابيين وعمليين بتسويق بضاعتنا الربانية ممثلة في المنهج الاقتصادي الإسلامي كمنظومة عصرية متكاملة تلبي احتياجات البشرية في اقتصادياتها, وتجمع بين الشفافية والعدالة الاجتماعية والأمان والثقة سواء من خلال العمل على أن يشارك الاقتصاد الإسلامي بفاعلية في تصحيح الرأسمالية الغربية واستخدام وسائل الإعلام المرئية والمقروءة وشبكة الإنترنت ونحوها في تقديم الفكر الاقتصادي الإسلامي بصورة واقعية تطبيقية، أو من خلال العمل على أن يكون الاقتصاد الإسلامي أحد الأنظمة الاقتصادية العالمية أو من خلال وضع مشروعً اقتصادي إسلامي بصياغة منظومة اقتصادية إسلامية شاملة ومتكاملة قابلة للتطبيق تربط بين فقه النص وواقع العصر, ولو على المستويين المتوسط والطويل لعلنا نصل في المستقبل إلى أن يكون الاقتصاد الإسلامي هو النظام الاقتصادي العالمي رحمة بالعالمين.
إنشرها