الوجيه محمد البسام
قبل عدة أشهر وعلى ضفاف الخليج العربي وفي مكتبٍ يضمُ أرشيفاً وثائقياً تاريخياً مهماً في قلب مدينة المنامة، كنتُ أتحدث مع المؤرخ البحريني الباحث خالد البسام في مواضيع تاريخية شتى، وحينما وصل بنا الحديث إلى كتابه الذي صدر حديثاً وتناول من خلاله سيرة جده، التاجر البحريني سليمان الحمد البسام، توقفنا طويلاً عند أسرة البسام، ذات العراقة والتمدّد والأدوار المهمة، وأبنتُ له أنه بات من الضروري كتابة تاريخ أسرة البسام وأدوارها خلال ثلاثة قرون، بدءًا من "أُشيقر" البلدة الوادعة في قلب نجد وليس انتهاءً بسواحل الهند وضفاف الخليج وغوطة الشام ونخيل العراق. ففي أكثر من بلد كان لعدد من أبناء هذه الأسرة أدوار مهمة، في التجارة والسياسة والثقافة والتاريخ. مستغرباً من أن هذه الأُسرة الكريمة، التي خدمت العلم والتاريخ، وأنجبت عدداً من أبرز وأهم المؤرخين النجديين، لم يتصد أحدُ أبنائها بعدُ لكتابة تاريخها!
لم أُخفِ على الأستاذ الباحث خالد البسام أثناء حديثنا فكرةً صحافيةً تجول في خاطري منذ سنوات. تتمثل الفكرة في زيارة الهند، وتحديداً مدينة بومباي، وعمل تحقيق صحافي موسع عن أسرة البسام، الموجودة هناك منذ أكثر من قرن، واتخاذ هذه الأسرة كنموذج لعدد من الأُسر النجدية التي هاجرت إلى خارج الجزيرة العربية ولعبت أدواراً مهمة في أماكن وجودها.
لايمكن الحديث عن تاريخ هذه الأُسرة العريقة دون الوقوف على سيرة التاجر النجدي الشهير محمد العبدالله البسام، الذي يُعد واحداً من أشهر وأكبر تجار العقيلات في أواخر القرن الـ 19 والعقود الأولى من القرن الذي تلاه، وقد اتخذ من دمشق موطناً ومستقراً ومركزاً لتجارته الواسعة، الممتدة من بغداد شرقاً إلى القاهرة غرباً، وإلى القصيم جنوباً. ويذكر الدكتور سعد الصويان في كتابه الرائد "فهرست الشعر النبطي" أن موهق الغنامي قد عمل مع الوجيه محمد البسام وتنقل معه في دمشق والقاهرة، الأمر الذي جعل "موهقاً" يتعرف إلى المستشرق الألماني هس، الذي نشر باللغة الألمانية كتاباً في عام 1938م تضمن معلومات تاريخية مهمة عن حياة البادية في الجزيرة العربية، وقد استقى هس معلوماته من عدد من أبناء الجزيرة، من بينهم أو لعل أبرزهم موهق الغنامي. ولستُ أدري هل تضمن كتاب هس معلومات عن الوجيه محمد البسام أم لا؟!
أثناء حديثنا عن الوجيه محمد البسام أمدني الباحث خالد البسام، مشكوراً، بصورة لخبر صحافي منشور في صحيفة "الأهرام" قبل أكثر من 80 عاماً، وتحديداً بتاريخ 14 أكتوبر 1925م. يقول الخبر: ( توقف الشيخ النجدي المعروف محمد عبدالله البسام عن تأمين طرق السيارات بين دمشق وبغداد لتوقف الاشتراكات التي تمنحها الشركات والمؤسسات التي تستخدم الطريق المهم لوكالته. وذكرت الأنباء في دمشق أن عدم تأمين الشيخ البسام طريق دمشق- بغداد ومرور السيارات فيه وخاصة بعد حوادث جبل الدروز قد أخلى الجو لقطاع الطرق، الذين ذكرت الأنباء أخيرا أنهم اعتدوا على الكثير من السيارات المسافرة. والمعروف أن الشيخ محمد عبدالله البسام يُعزى الفضل إليه في اكتشاف طريق دمشق – بغداد وتمهيده للسيارات).
أعتقد أن ما ورد في الخبر أعلاه يدل دلالة أكيدة على ما كان يتمتع به الوجيه البسام من مكانة مهمة، ويُعطي إشارة واضحة على ما كانت تمثله تجارته الواسعة، التي مدّت جسوراً تجارية بين دمشق وبغداد، الأمر الذي دعاه إلى تمهيد الطريق على نفقته الخاصة، لتسيهل عملية مرور السيارات، التي بدأت، آنذاك، بالدخول إلى تلك البلاد.
هذا نموذج لدور مهم قام به تاجر نجدي، ولولا أن الخبر قيّدته صحيفة "الأهرام" واستطاع الباحث خالد الوصول إليه ونبشه من مرقده، لضاع هذا الدور ولربما نُسب إلى غير أهله!