المالكي وكابوس الانقلاب

تبدو عملية الانقلاب العسكري على حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أشبه ما تكون بكذبة الموسم الانتخابي, ولو قيل إن الأكراد يعملون جل جهدهم لتغيير حكومة المالكي لأسباب لوجستية وللي الذراع للحصول على امتيازات جديدة لكان ذلك منطقيا, لكن أن يتم القبض على نحو 35 شخصا من موظفي وزارة الداخلية بتهمة التآمر على حكومة المالكي والإعداد لانقلاب كامل وتغيير الحكومة وإسقاط العملية السياسية وتغيير الواقع السياسي العراقي رغم وجود ما لا يقل عن 160 ألف جندي أمريكي و25 ألف جندي تابعين للواء القدس الإيراني و18 ألف مسلح تابعين للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية التابع للزعيم الشيعي عبد العزيز الحكيم, ناهيك عن 12 ألفا من أتباع مقتدى الصدر (..) تبدو العملية فيها نوع من التذاكي المسطح وغير القابل للتصديق.
المالكي أظهر قدرة بارعة في الاستجابة للمطالب الأمريكية واستخدم كل صنوف القوة في سبيل البقاء رئيسا لوزراء العراق غير تحالفاته الداخلية واستثمر موارد الدولة في إدارة وتوزيع القوة الداخلية عبر نجله أحمد الذي يعمل مديرا للمكتب الخاص في رئاسة الوزراء وهو المكتب الذي يضطلع بصلاحيات واسعة في الشؤون الأمنية والمالية.
صحيفة "نيويورك تايمز" قالت إن مسؤولين أمنيين كبارا قالوا إنه توجد أدلة قوية تربط أولئك الذين ألقي القبض عليهم بحزب العودة المتهم بالعمل لإعادة تأسيس حزب البعث الذي جرى تفكيكه بعد الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003, وهذا الاتهام له مبرراته وأسبابه فلا أحد في العراق يمكن توجيه التهمة إليه من أطراف العملية السياسية, ولا يمكن من الناحية الأمنية تبيان أن تنظيم القاعدة قد اخترق وزارة الأمن والسيادة العراقية, ولا من المتوقع أن يتم توجيه الاتهام للبعثيين مباشرة, خاصة أن الجانب الأمريكي يعمل على الالتقاء بعناصر لديها قابلية للمشاركة في السلطة, وإن كان هذا لا يعجب المالكي ولا يعجب التيار الذي يمثله, وبالتالي فإن ثمة عملية اجتثاث جديدة تجري لبعض قيادات المواقع المتقدمة في السلطة العراقية, ولا شك أن جميع من تم اعتقالهم هم من (العرب السنة) وليس فيهم الكردي ولا المسيحي ولا الشيعي إلا إذا تفتق ذهن المالكي عن حبكة جديدة يظهر فيها عدم طائفية القرار القاضي بالاعتقال.
من الناحية العملية هناك انتخابات داخلية ستجرى في العراق والمطلوب رص الصفوف حتى لو تطلب ذلك العزف على الوتر الطائفي, ولو تطلب ذلك تعزيز المخاوف والهواجس الأمنية لدى الرأي العام العراقي وبخاصة عراقيي الجنوب الذين لا يستثيرهم أمر أكثر من عودة متوقعة وممكنة لقوى محسوبة على النظام العراقي السابق.
وعليه جاءت هذه الاعتقالات لحسابات انتخابية خاصة ولتعزيز سلطاته قبل شهر من الانتخابات التي ستجرى في المحافظات العراقية, كما أنها جاءت بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع واشنطن التي ترى أن من الضرورة إعادة النظر في آليات العملية السياسية في العراق على أسس غير طائفية وهو ما يخشاه المالكي وما تخشاه القوى الشيعية المحسوبة على طهران.
هذه الاعتقالات كانت مفاجئة للبعض من العراقيين حيث أدلى بعض ضباط وزارة الداخلية بتصريحات صحافية أكدوا فيها أن بعضا ممن جرى اعتقالهم ليس لهم علاقة بالنظام العراقي السابق ولا بحزب العودة وإنما هناك عمليات تصفية داخلية تجري في بعض الوزارات يشرف عليها مقربون من المالكي.
ما سبق أن أكده المالكي في خطابه أمام مجلس محافظة النجف " أن حزب البعث دمر كل مؤسسات الدولة بسياساته العدوانية وحروبه ومغامراته, وبالتالي لن نغفل يوما عن أن تبقى عيوننا وآذاننا وأيدينا على الزناد لمواجهة كل الخطط والمؤامرات التي تريد أن تنقلب في كل لحظة وموقع على العملية الأمنية من أجل ألا تنجح العملية السياسية ".
جاء هذا الخطاب بعد زيارته المرجع الشيعي علي السيستاني في منزله في مدينة النجف وأطلعه على تطورات العملية السياسية وتحسن الوضع الأمني في مناطق واسعة من البلاد, وغير خاف دعم السيستاني للائتلاف العراقي الموحد الشيعي الذي يتزعمه المالكي وينادي بالمصالحة الوطنية ودمج العرب السنة في العملية السياسية في العراق.
هناك انقلابات كثيرة تعرض لها المالكي لكنها انقلابات بيضاء وانقلابات سياسية أسهمت في تعزيز مسلسل التنازلات لصالح الجانب الأمريكي, فقد أكدت المعلومات الاستخبارية الأمريكية مرارا وجود مثل هذه المخططات لدرجة أن المالكي وحكومته والمشاركين في العملية السياسية يتخوفون من أي حادثة تقع, لدرجة أن بعضا منهم كان لا يثق بالجانب الأمريكي كثيرا ويرى أن الأمريكيين من الممكن أن تجري بينهم وقوى أخرى تفاهمات على حسابهم لكن ليس لهم بديل آخر سوى التقرب من إيران باعتبارها ملجأ لهم وحالة أمان, ما جعل طهران قريبة من مختلف تفاصيل المشهد الأمني والسياسي.
ويرى أحمد الجلبي أن احتمالية وقوع انقلاب عسكري تبدو ممكنة لكن بدعم أمريكي, حيث ترغب واشنطن في انقلاب على أصدقاء وتحالفات الأمس وهو ما جعلها تلجَـأ إلى خيار الانقلاب العسكري للتخلُّـص من "عِبء" ومشكلات الإسلاميين الحاكمين.
ولا نستغرب أن يكون القبض على هؤلاء متزامنا مع الحوارات التي تجريها حكومة المالكي مع جبهة التوافق السنية حيث يبدو الأمر بالنسبة للسياسيين العراقيين مجرد استعراض للقوة يعكس حالة من الصراع والاستقواء السياسي واللعب بورقة الانقلاب للتقرب أكثر إلى الأمريكيين بشأن الحصول على مكاسب سياسية.
لكن ماذا يعني أن تقول وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إنها تمكَّـنت من إحباط اتِّـفاق كاد يُـطيح بالمالكي حين حضرت أثناء زيارتها الأخيرة إلى العراق اجتماعا للأكراد والمجلس الأعلى والحزب الإسلامي وقد اتفقوا على تنحية المالكي وسحب الثقة منه, غير أنها رفضت هذا الموقف وأقنعتهم بالعدول عنه (..) فالمالكي يعيش كابوس الانقلاب وبات أمام واقع صعب, فإما أن يوافق على الاتفاقية الأمنية بالشروط الأمريكية وإما أن ينام ويصحو كل يوم على معلومات أمنية تفيد حصول انقلاب عسكري وشيك يُـطيح به وبحكومته الصديقة لإيران .. وقد ينجح أحدها!.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي