Author

رجولة بلا حدود

|
يحاول الذكر العربي أن يتصف بصفة الرجولة التي تشمل كل معنى ذكوري جميل يوحي بالقوة والشهامة والكرم وحسن الخلق والحمية والالتزام والشجاعة .. الرجولة التي قد يدفع البعض حياته ثمنا لها ويسعى جهده للبقاء داخل دائرتها.. أصبحت الرجولة هدف ومبتغى بل وأمنية لدى البعض حتى وصلت إلى درجة المبالغة والخروج عن المألوف وعن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وعن كل معنى رجولي حقيقي .. هكذا تحولت إلى أن تكون أخلاقا شرسة مع من لا تعرف أياً كان صغيراً أو كبيراً .. أخلاق سيئة لا تستطيع التفاهم مع الموظف في مكتبه ولا مع المراجع الذي ينشد حاجته عندك وفي مكتبك .. المريض الذي ينشد العافية عند الطبيب بعد الله قد يتكلم عليه ببذاءة أو يضربه فضلاً عن تعامله السيئ مع الممرضين والممرضات .. تكاد لا تنهي مشواراً في السيارة إلا وتتعرض لموقف أو أكثر ممن يبحثون عن إظهار الرجولة لأتفه الأسباب .. الافتخار بالعشيرة والعصبية القبلية هي معنى رجولي قوي ومهم لا يمكن أن يصنف من لا يعتد بذلك من الرجال أو أنه فقد شيئاً كبيراً من هذا المعني السامي .. أن تكون قبيلته هي الأقوى والأشجع والأكرم والأفضل وتهميش الآخر أياً كان واحتقاره وأن يكون هو وأخوه ضد ابن عمه وهو وابن عمه ضد الغريب كل ذلك أساس من أساسات الرجولة المطلقة.. أن تهان المرأة وتحتقر وتسلب حقوقها فإن ذلك من عزم الرجولة ولا يمكن أن يوصف الرجل رجلاً إلا إذا أهان وضرب زوجته وأخته وابنته وأحياناً أمه لأنه رجل وهي امرأة .. يجب أن تكون كالخادمة ذليلة مهانة تطيع وتنفذ بلا اعتراض أو نقاش ولو كان ذلك على حساب عقلها وبدنها وكينونتها فبالنهاية هي مجرد امرأة وبدلاً من المرأة امرأة أخرى بل ثلاث وأربع .. الرجولة أن لا تأكل مع نسائك وأطفالك وأن لا تنام مع زوجتك إلا عند الحاجة لأن نوم الرجال في قسم الرجال فقط. أن تمتلئ النفايات بالطعام فذلك من الكرم الحاتمي .. الكرم الذي يشكل معيارا حقيقيا للرجولة فكلما زاد البذخ وفاض الطعام للضيف كلما زاد هذا المعنى توهجاَ وحتى لو كان هذا الضيف لا يسوى بعقله وقيمته كإنسان قيمة الخروف الذي ذبح له..أقول إنه الكرم ولا غيره حتى ولو على حساب الأولاد ورفاهيتهم ومعيشتهم ولباسهم وتعليمهم وحتى لو تراكمت الديون ووقف الدّيانة على الباب وشكوا في المحاكم .. فعدم سداد الناس شيء طبيعي لا يخدش الرجولة.. الدلّة والفنجان وشرب القهوة العربية الأصيلة ذات الرائحة الزكية هي عنوان رجولي لا يمكن أن تكتمل الرجولة دونه فالعيب كل العيب أن لا يعرف الرجل كيف يعد هذا النوع من القهوة بل والعيب الأكبر أن لا يتلذذها أو يتكيف مزاجه عليها .. بل إن من كمال الرجولة أن يكون في السيارة كل أدوات صنع القهوة العربية ولا يمكن أن يسافر دون أن تكون هذه الأدوات من أهم الأغراض التي يحملها حتى ولو كان السفر بالطائرة .. ويرتبط بالقهوة ارتباطاً وثيقاً تربية الأطفال الذكور على بروتوكولات صنع وشرب القهوة وتقديمها ليصبح الطفل مشروعاً رجولياً قوياً قادماً ومحلاً للافتخار, ليس على مستوى العائلة فقط, بل على مستوى القبيلة ليصل به الحال إلى أن يضغط على الطفل كي يتعلم ذلك في وقت مبكر حتى ولو كان بقسوة تربوية شنيعة تخلف ما تخلف من العقد النفسية التي تحيا معه ما عاش .. لكي يكون رجلاً يجب أن يمتلك قلباً قاسياً لا رحمة فيه .. فالفخر كل الفخر أن تزيد الأطفال عدداً وتنساهم من الرحمة فلا يرق قلبه لطفل أياً كان, بل إنه لا يستطيع أن ينزل من جبروت رجولته ليقبل طفلاً أو أن يمسح دمعته أو يضفي عليه بحنان.. الدموع والرحمة والحنان صفات تحصر معنى الرجولة في دائرة الذكورية فقط وتبعد عن معناها الحقيقي .. لا أقول ذلك خروجاً عن عاداتنا وتقاليدنا, ولكن المبالغة بما لا يستحق هو خروج عن الطريق الصحيح .. فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير من وطأت قدمه على وجه الأرض لم يشرب القهوة ولم يتعصب لنسبه ولم يظلم امرأة ولم يسلبها حقوقها ولم يسرف في كرم .. دمعت عيناه ورحم أطفاله وحن على نسائه وصفح وسامح .. هكذا كانت رجولته صلى الله عليه وسلم .. فأين نحن منه صلى الله عليه وسلم برجولتنا التي تكاد من فرطها أن تقطع بعضها.
إنشرها