النفط يهوي ويهدد بجر إيران إلى الهاوية

تتفاوت قدرة الدول المنتجة للنفط على تحمّل الأعباء الناجمة عن الانخفاض في أسعاره والتي فقدت نحو 60 في المائة من حدّها الأقصى الذي بلغته في تموز (يوليو) الماضي وهو 147 دولارا، لكن الأكيد أن إيران هي الدولة الأكثر تضررا في المنطقة والأقل قدرة على امتصاص الصدمة. وقد لا تمس تداعيات انخفاض سعر برميل النفط على وضعها الاقتصادي فحسب، وإنما تمتد لتهدد استقرار نظامها السياسي والاجتماعي. ومن المتوقع في ظل هذه المعطيات أن تزيد العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن من شدّة الأزمة في طهران وأن يتراجع نفوذها في المنطقة نتيجة شح الإمدادات المالية التي لطالما أغدقتها على محازبيها ومناصريها في البلدان العربية.

70 إلى 90 دولارا السعر المناسب لإيران
تعد إيران رابع أكبر مصدّر للنفط في العالم وثاني أكبر مصدّر لنفط في مجموعة "أوبك"، وتعتمد على العائدات النفطية بنسبة 80 في المائة من إجمالي دخلها القومي ويشكل  النفط نحو 83 في المائة من صادراتها. استطاعت طهران إثر ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية قياسية أن تراكم عائدات تساوي نحو 200 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، علما أن الرقم نفسه استلزمها قبل هذه  الفترة نحو عشر سنوات لمراكمته. ويشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن إيران ستعاني عجزا في الحساب الجاري على المدى المتوسط إذا استمر سعر برميل النفط تحت معدّل الـ75 دولارا وذلك بسبب القيود والعقوبات المفروضة عليها. فيما يرى اقتصاديون أن إيران في حاجة إلى أن يكون معدّل سعر برميل النفط بين 75 و90 دولارا حتى تتمكن من موازنة حساباتها وتحقيق فائض.

تداعيات اقتصادية كبيرة
ومن شأن هذا الهبوط أن يحد بالتأكيد من الإنفاق الحكومي مما ينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي المتردي أصلا منذ مجيء أحمدي نجاد إلى الحكم، على الرغم من وصول الإيرادات الحكومية في عهده إلى ثلاثة أضعاف مثيلاتها في عهد خاتمي وذلك لصعود برميل النفط إلى حدود 147 دولارا في الفترة السابقة.
 وسيكون على حكومة أحمدي نجاد في هذه الحالة إما تخفيض الإنفاق وبالتالي ازدياد الوضع الاجتماعي سوءا وإما طبع مزيد من العملات وهو ما يعني تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع نسب التضخم المرتفعة أصلا والتي تعدّت الـ27 في المائة، وإما الاستدانة التي ستشكّل أعباء إضافية، حيث يتجاوز مجموع ديون إيران الـ 40 مليار دولار أي ضعف المعدّل الذي كانت عليه في عهد خاتمي علما أن سعر النفط تضاعف ثلاث مرّات خلال عهد نجادي.

تفاقم المشكلات الاجتماعية
ويبدو أن الأزمة آخذة في التحوّل من البعد الاقتصادي إلى البعد الاجتماعي. فهناك شرائح واسعة من الشعب الإيراني اليوم تعاني وتتذمر من سياسة أحمدي نجاد الذي كان قد وعدهم في عام 2005 أن يضع عوائد النفط على موائد طعامهم ويقضي على البطالة ويحسّن من الوضع الاقتصادي للطبقات الفقيرة.
هذا مع العلم أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية في إيران "محمد جهرمي" كان قد كشف سابقا أن الحكومة تواجه وضعاً صعباً بشأن تأمين المستلزمات المالية اللازمة نظراً لتداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها المباشر في اقتصاد البلاد، وأنه وبسبب هذه الأزمة فقد قررت الحكومة طرد 253 ألف عامل من عملهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وأن الوزارة بحاجة إلى مليارات الدولارات لتأمين الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل، مع الإشارة إلى أن الحكومة ليست لديها أي ميزانية مالية تقدمها لهذه الوزارة في هذا المجال.

سخط سياسي على نهج نجاد
على الصعيد السياسي نلاحظ أن السخط من نهج الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كان قد سبق التذمر الاجتماعي، فقد قدّم عدد كبير من الوزراء استقالاتهم خلال السنة الماضية احتجاجا على هذه السياسة الفاشلة في إدارة البلاد واقتصادها. فحكومة أحمدي نجاد فشلت في أن تحتفظ بالمليارات التي جنتها خلال السنوات الماضية ولم يبق منها إلاّ النذر اليسير الذي لا يكفي حتى لتغطية احتياجات إيران من الوقود المستورد لفترة قصيرة.
ولا شكّ أن السخط السياسي والاجتماعي قد ينعكس على ترشّح أحمدي نجادي في الفترة المقبلة من العام الجديد، حيث من المتوقع أن يعطي الوضع السيئ هذا، إذا ما استمر، دفعة للإصلاحيين خاصّة أنهم يركّزون على الوضع الاقتصادي حاليا الذي يعد من نقاط الضعف البيّنة لسياسة نجادي.

الانخفاض الكبير لمدخرات الصندوق الاحتياطي
تشير بعض المصادر إلى أن صندوق الاحتياطي الإيراني لا يحتوي حاليا إلا على ما يراوح بين 7 و9 مليارات دولار، لكنّ المصادر الرسمية لمّحت إلى وجود ما بين 20 إلى 25 مليار دولار في الصندوق، وهو ما دفع بعض الجهات إلى المطالبة بفتح تحقيق وتوجيه تهم إلى حكومة الرئيس نجاد لمساءلته عن إنفاق الحكومة 100 مليار دولار من رصيد الصندوق دون وجهة معلومة.

سقوط عنصر الردع الإيراني
على الصعيد الخارجي، فإن من شأن انخفاض سعر برميل النفط أن يعطي دفعا للقوى التي تريد توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، على اعتبار أن إيران فقدت عامل الردع المتمثّل في الأسعار المرتفعة التي كانت تحميها من أي هجوم كما قال بذلك صراحة اللواء محمد علي جعفري قائد قوات حرس الثورة الإيرانية في حزيران (يونيو) الماضي من أن "السعر المرتفع للنفط يشكّل عامل ردع في وجه الأعداء ويحمي البلاد". أمّا اليوم، فتتعالى الأصوات في مطالبات شبه يومية بتخفيض الإنتاج في "أوبك" ورفع الأسعار.
ويبدو أن التخبّط الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الفترة الأخيرة، وتهاويها إلى مستويات دنيا قد يقلب الطاولة ومعها الحسابات الإيرانية رأسا على عقب، فالنفط ما زال يهوي ويهدد معه بجر إيران إلى الهاوية إذا ما استمر الأمر على ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي