ملاليم .. وملايين
من يتابع التلفزيون المصري (خاصة الرسمي) يلاحظ وجود لمحات إنسانية رائعة تتمثل في تكرار الإعلان عن إنشاء مستشفيات للأمراض المستعصية، تحث المشاهدين على التبرع على شاكلة بـ "جنيه واحد .. نبني صرحا طبيا"، أو "أنقذ طفلا من السرطان بجنيه واحد".
الأجمل في الموضوع أن هذه الإعلانات دائما ما تكشف مقدار المنجز من المشروع محل التبرع بالصوت والصورة، وتركز على بساطة المبلغ لكن "ملاليم تجمع ملايين" - على رأي الإخوة المصريين، بل وتعرض باللهجة المصرية العذبة.
أجدني مشدودا إلى هذه الإعلانات، بل لا أبالغ إنني أدخل في نقاش مع الآخرين أو مع نفسي عندما أشاهدها. هذه الإعلانات أقل ما يقال عنها إنها تكافلية وإنسانية، وتكشف وجهاً حقيقيا للمجتمع يحق المفاخرة به.
أتساءل ما الذي يمنعنا من خوض هذه التجربة؟ إلى متى ونحن ننتظر أن تبني الدولة كل المستشفيات، المستوصفات وكل المدارس، وكل الطرق .. لماذا نعتقد أن الخير فقط في بناء مسجد، مع عظمة هذا الأمر، لكن المستشفى أيضا عمل خيري وإنساني وفيه أجر وفير - بإذن الله. الشخص يستطيع أن يصلي في كل مكان (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)، بينما لا يستطيع أن يتداوى إلا في مستشفى، فضلا عن كونه مستشفى تخصصياً ويعالج الأمراض النادرة.
أتمنى أن يكون المفهموم المغلوط والسائد بين الناس، أن الدولة لا تحبذ مثل هذه المشاريع، وأنها مسؤولة عن توفير المستشفيات والمرافق العامة، قد انتهى. فالدولة تدعم وتشجع كل عمل مجتمعي مبدع، وبين أيدينا أمثلة كثيرة، صحيح أنه لا يوجد مستشفى جمعت له المبالغ من الناس، لكن هناك مستشفيات تكفل بها رجال أعمال وخيرون من أبناء المجتمع.
آن الأوان أن تؤطر مثل هذه العمليات الخيرية والمجتمعية وفق نظام واضح وصريح بحيث تتولى بعض مؤسسات المجتمع المدني مثل هذه المشاريع وتتابعها، وتكون محل ثقة الدولة والناس على حد سواء.
آن الأوان أن يتكافل الناس في مشاريع نوعية، يتشارك فيها أهل الخير أياً كان مستوى دخلهم، فليس صحيحا أن التبرع لا يأتي إلا من المقتدرين، فحتى الفقراء يتلذذون بالخير ويبحثون عن فعله وكسب أجره.