قناة "الجزيرة" والفكر المضلل

كنت وما زلت سأبقى على قناعة مؤكدة أن الفكر الضال والمضلل لم يعد له ذلك التأثير السلبي في المتلقين لأسباب عديدة من أهمها الانفتاح الفكري والإعلامي وقدرة الإنسان بشكل عام والمسلم والعربي بشكل خاص على إدراك الحقيقة ومعرفة ما يدور في العالم من حقائق.
إن الفكر المضلل, الذي مع الأسف الشديد, ما زالت تمارسه قناة "الجزيرة" التي مع الأسف الأشد والأعمق تبث وتدعم من قطر الشقيقة, الشقيقة لأنها تمثل منظومة متكاملة في الفكر والعطاء مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية, هذه المنظومة التي لا تجد الدعم من أصحاب الفكر القومي التخلفي الذين ما زالوا يعيشون على أمجاد كذبة لحقبة الخمسينيات والستينيات من الانتصارات الوهمية لفكر ظل يضللهم ويعيشون تحت ظله حتى الآن.
قناة "الجزيرة" عندما ترغب في تحريك ما يسمى الشارع العربي فإنها تضغط من خلال استغلال القضية الفلسطينية على أساس أن أي اعتداء على الشعب الفلسطيني اعتداء على كل العرب والمسلمين, وبهذا الاعتقاد الخاطئ والسائد استغل العاملون في القناة من أصحاب الفكر الضال المحبط ما نقله أحد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة ممن فقدوا المصداقية الإسلامية والعربية والفلسطينية من أن السعودية لم تمنح فلسطينيي غزة تأشيرات دخول لأداء فريضة الحج, ومع أن وزارة الخارجية السعودية نفت ذلك واستهجنت مثل هذا القول, كما أن العقل والمنطق يؤكدان أن السعودية قيادة وحكومة وشعبا لم ولن تقف أبدا ضد أي مواطن فلسطيني مهما كانت الأسباب وفي كل الأوقات والأزمنة والأماكن, بل العكس من ذلك نجد أن المملكة ترعى المصالح الفلسطينية بكل أمانة وإخلاص ويعلم المواطن الفلسطيني المقيم في المملكة ذلك بكل وضوح وشفافية مع ما حدث من أحداث كادت تشرخ تلك العلاقة الأخوية. كل هذه الأسباب الواضحة والصريحة وغيرها كثير لم تجعل قناة "الجزيرة" وعملاءها من الفكر الضال يفيقون من حقدهم وكرههم لأنفسهم أولا ولكل إنسان وحكومة ودولة ناجحة في عطائها وقدرتها على بناء الثقة مع الآخرين, هذا الحقد الأعمى برز في استغلال القناة هذا الخبر الضال والمضلل بحيث استمرت ولمدة يوم كامل وبعد تأكيد وزارة الخارجية السعودية عدم صحة ما ذكر في نشر الخبر وتكراره في أخبارها وجعله ضمن شريط الأخبار بنص يوحي للمشاهد أن السعودية لم تمنح فلسطينيي غزة تأشيرات دخول لأداء فريضة الحج. طبعا للاستغلال الجاهل والخبر الكاذب ليس تعاطفا مع الشعب الفلسطيني وإنما محاولة للإساءة للمملكة في الوقت الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني في غزة مرحلة حصار واضطهاد لم تسخر قناة "الجزيرة" إمكاناتها لذلك وإيضاح هذا الحصار وإنما الركض خلف ما يمكن أن يسيء للمملكة من جهة وما يعزز قدرة إسرائيل في استمرار الاحتلال والاضطهاد, والدليل القاطع في هذا الشأن سماح السلطات الإسرائيلية لبث قناة "الجزيرة" في جميع السجون الإسرائيلية التي تزخر بالمواطنين الفلسطينيين مثلها مثل القوات الإسرائيلية, بمعنى أن السلطات الإسرائيلية تعد قناة "الجزيرة" قناة إسرائيلية تدعم ما تدعمه قوات الاحتلال وتحارب من تحاربه العصابات الإسرائيلية, ولهذا فإن قناة "الجزيرة" ومن خلال هذه الرؤية ترى أن السعودية قيادة وحكومة وشعبا من أكثر المناصرين للشعب الفلسطيني وقضيته الأساسية, هذا الدعم والنصرة من المملكة لا يريحان سلطات الاحتلال الإسرائيلية ولهذا فإنها توعز لمثل قناتها قناة "الجزيرة" بمحاربة المملكة وإظهارها بمظهر من يقف ضد مصالح الشعب الفلسطيني, هذه المواقف السلبية لم يعد المواطن الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي يلتفت إليها أو يعيرها أدنى اهتمام, وإن وجد من يحاول استغلالها فهم قلة يؤكدون أنهم شاذون على أساس أن الشاذ يؤكد القاعدة, والقاعدة هنا أن المملكة ـ ولله الحمد ـ تحرص كل الحرص على الإنسان الفلسطيني حرصها على المواطن السعودي, وربما أكثر, ولعل المواقف المعروفة والمشهودة للقيادات السعودية منذ أيام الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إلى الملك عبد الله ـ وفقه الله وحفظه ـ تؤكد ذلك الحرص والاهتمام.
اليوم ـ ولله الحمد ـ يعيش ضيوف بيت الله الحرام أجمل أيامهم في المشاعر المقدسة وينعمون بخدمات واهتمام من شعب خادم الحرمين الشريفين, والحجاج الفلسطينيون يعيشون مع إخوانهم المسلمين في المشاعر المقدسة هذه الفرحة الإسلامية في أداء مناسك الحج بكل يسر وسهولة دون تفريق بين جنسية وأخرى أو لون وآخر, وهذا ما يؤكد أن المملكة ـ ولله الحمد ـ تتعامل مع جميع المسلمين بالمعايير نفسها دون تمييز, وهو ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في اجتماع مجلس الوزراء عندما وجه توجيهه الكريم لجميع الوزراء والعاملين في خدمة حجاج بيت الله بالاهتمام بهم وتذليل جميع العقبات التي تواجههم, إذا كان هذا التوجيه من أعلى سلطة سعودية لجميع الحجاج فكيف يكون الاهتمام بحجاج فلسطين, خصوصاً أنهم يعانون الاضطهاد الإسرائيلي والظلم الإعلامي من قناة "الجزيرة" ومن على شاكلتها ممن يعيشون ويقتاتون على فرقة العرب والمسلمين بأفكار أثبت الوقت والممارسة فشلها وتخلفها وتخلف من يقف خلفها, وأن نهج السعودية هو النهج الذي يمكن الأخذ به نحو جعل الدول العربية والإسلامية في مصاف الدول المتقدمة.
لعلي في هذا الموقف أذكر من يقود فكر وتوجـه قناة "الجزيرة", أن الملك عبدالله عندما طرح فكرة حوار الأديان والثقافات وابتداء بإصلاح البيت من الداخل من خلال دعوة العلماء المسلمين للاجتماع في مكة المكرمة لتوحيد الجهود وتجسير الفجوة بين المجتمعات الإسلامية, هذه الدعوة لم ترق لقناة "الجزيرة" ولم تعطها الاهتمام المفروض, ثم جاء لقاء مدريد بعد مكة المكرمة واجتماع علماء الأديان والثقافات المختلفة للحوار والتقارب الإنساني لم تبق قناة عامة أو خاصة إلا وركزت على ذلك الحدث إلا قناة "الجزيرة" جعلت برنامجها ذلك اليوم تلميع صورة الاحتلال الإسرائيلي وإيضاح كيف أن ذلك النظام العنصري أهان العالم العربي عندما قبل أن يطلق عشرات الأسر العرب مقابل رفات جنديين إسرائيليين وجعل ذلك إنجازا عربيا غير مسبوق.
ثم جاء لقاء قيادات العالم في الأمم المتحدة للتحاور حول حوار الأديان والثقافات بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين, كل هذه الجهود حاولت قناة "الجزيرة" عدم الاهتمام بها, لقد تذكرت في خضم هذه الأحداث قول الشاعر:
إذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل
تقبل الله من الجميع حجهم وجعلهم يعودون إلى ديارهم سالمين غانمين آمنين مقبولين, وأن يوفق قيادة وحكومة وشعب المملكة في خدمة قضايا العالم أجمع والقضايا الإسلامية, وأن يعظم لهم الأجر على ما يقدمونه من خدمة لضيوف الرحمن وما يسعون إليه من تقديم نموذج سعودي الانتماء, عربي اللسان, إسلامي المعتقد, عالمي الطموح, كنموذج لما يجب أن تكون عليه دول العالم الإسلامي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي