إلى من يهمه الأمر:الأزمة المالية العالمية فيها التحديات و "الفرص"

لو كان لي شرف حضور مجلس خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المُفدى ـ يحفظهُ الله ويطيل لنا في عمره ـ لقلت له: سيدي الأزمة المالية العالمية تمثل تحدياً حقيقياً للاقتصاد العالمي، وأنها تزداد سوءا يوما بعد يوم، والأدهى والأمر من هذا كله أنه لا أحد يعرف أبعادها الحقيقية أو إلى أين تتجه أو متى تنجلي؟ صحيح أن تأثرنا بهذه الأزمة ربما يكون بدرجة أقل من اقتصادات الدول التي تعتمد على الصادرات، ومع هذا فإن ما يحدث هو أزمة حقيقية لا يستهان بتبعاتها على مجمل الاقتصاد العالمي ومن ضمنة الاقتصاد السعودي، ولكن هذه الأزمة قد لا تختلف عن مثيلاتها من الأزمات التي أصابت الاقتصاد العالمي في الماضي، حيث إنها تمثل تحديات صعبة لاقتصاد كثير من الدول وفي الوقت نفسه قد تمثل بعض الفرص، خاصة على الأمد الطويل.
فيما يتعلق بالآثار السلبية لهذه الأزمة فقد تحملناها وسنستمر في تحملها رضينا أم أبينا، ولكننا لم نحسن استغلال الفرص المصاحبة لهذه الأزمة، فلو تم اقتناص هذه الفرص لتخطينا هذه الكارثة بأفضل مما كنا عليه في بدايتها، فبخلاف الشعور السائد لدى بعض المسؤولين على أقل تقدير فإن المملكة تعاني مشكلة حقيقية في البنية التحتية مثل: التعليم، نظام المواصلات، شبكة الاتصالات، والمياه، وغيرها من المشاريع الكبيرة الضرورية لخلق بيئة مناسبة لتنمية اقتصادية مستدامة.
تنفيذ هذه المشاريع العملاقة لا يتطلب استثمارات ضخمة فحسب، بل يتطلب وجود شركات عالمية ذات خبرات وقدرات كبيرة في هذه المجالات المختلفة، وحيث كان حتى الأمس القريب العائق الأكبر أمام تنفيذ مثل هذه المشاريع هو عدم توافر مثل هذه الشركات ذات الخبرات العالمية، فضلاً عن التكاليف الباهظة لمثل هذه المشاريع العملاقة، ولكن لحسن الحظ هذا كان بالأمس، أما اليوم فإن الشركات العالمية التي نتحدث عنها أصبحت عاطلة عن العمل ومعظم مشاريعها متوقفة لعدم وجود القروض البنكية لتمويلها، وكذلك وتكاليف الإنتاج والبناء أصبحت أقل من نصف أثمانها قبل ثلاثة أشهر.
ما أريد قوله باختصار هو أن هذه فرصة لا تعوض بثمن ويجب أن تستغل الآن وليس بعد سنة أو ستة أشهر أو حتى بعد شهر واحد، بل الآن، فيجب أن يتم استقطاب كبريات الشركات العالمية وتحويل المملكة إلى ورشة عمل لا تتوقف وفي جميع المشاريع المشار إليها دون استثناء وفي الوقت نفسه، وأن تسخر جميع احتياطيات الدولة، بل الاقتراض إذا لزم الأمر، من أجل إنجاز هذه المشاريع في أقل فترة ممكنه، فالركود الاقتصادي الحالي ربما يستمر فترة تراوح بين سنة و18 شهراً ومن ثم تعود الأمور إلى نصابها بالتدريج، فالـ 15 شهرا المقبلة هي الفرصة الذهبية التي يجب استغلالها لإنجاز هذه المشاريع العملاقة.
فعندما تقوم الدولة بهذه الخطوة التاريخية فنكون قد ضربنا عصفورين بحجر. الأول هو إنجاز هذه المشاريع العملاقة بتكاليف منخفضة جداً لم نكن نتوقعها حتى بالأمس القريب، وهذه المشاريع ستكون حجر الأساس في بناء مجتمع التنمية الاقتصادية المستدامة الذي يعتمد على ما ينتج من سلع وخدمات بدلاً مما تجود به عليه الطبيعة من سلعة ناضبة، فهذه المشاريع العملاقة ستكون عصب الحياة والقلب النابض للاقتصاد السعودي للسنوات المقبلة. الثاني هو أن ضخ هذه الأموال الضخمة في الاقتصاد المحلي سيخفف من حدة الأزمة المالية على الاقتصاد السعودي، بل ربما يتم تجنبها بالكامل. ربما يقول البعض هذا سيضع الكثير من الأعباء على الموازنة العامة للدولة, وربما يزيد مشكلة التضخم. إجابتي عن هذه الآراء يمكن اختصارها فيما يلي: شيء جميل أن نفكر في آثار الإنفاق الحكومي في الموازنة العامة، ولكن هذا ليس وقت القلق على عجز الميزانية أو ارتفاع نسبة التضخم، فالعائد على الاقتصاد السعودي من بناء هذه المشاريع سيفوق أي مبلغ يصرف على هذه المشاريع بأضعافٍ مضاعفة والفائدة من هذه المشاريع لن تطول الأجيال الحالية فحسب، بل سيصل خيرها وأثرها للأجيال المقبلة، إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي