يملك جيل الطفرة السكانية (مواليد 1946-1964) أكثر من 85 تريليون دولار من الأصول، ما يجعله الجيل الأغنى بفارق كبير عن غيره من الأجيال. ويستكشف بحث جديد في الأسباب وراء هذا الثراء الاستثنائي، وبحسب الخبراء، سيصعب على الأجيال اللاحقة تكرار هذا الثراء.
تعود الأسباب إلى التوقيت وطول المدة؛ فالأمريكيون الذين تبلغ أعمارهم 75 عامًا وما فوق اشتروا منازل واستثمروا في الأسهم قبل أن تشهد قيم تلك الأصول ارتفاعا هائلا، وفقًا لإدوارد وولف، أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك. وكما نقلت صحيفة "واشنطن بوست"، في ورقة عمل للمكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية، درس الأستاذ الفترة بين 1983 و2022، حيث ازداد ثراء أبناء هذا الجيل فيما تراجعت ثروات الأجيال الأصغر.
كيف ارتفعت ثروتهم خلال الـ30 عامًا الماضية؟
يقول وولف: "من المذهل كيف ارتفعت ثروتهم خلال الثلاثين عامًا الماضية. فقد بدأوا في 1983 كأحد أفقر فئات المجتمع من حيث الثروة". ويشير إلى أن ثروة جيل الطفرة، خصوصا المتقاعدين، تعكس ظروفا اقتصادية مميزة أثناء سنوات عملهم، لدرجة أنها ظروف سيصعب على الأجيال الشابة تكرارها، الواقعين تحت وطأة الديون وتكاليف رعاية الأطفال.
كما لعبت تكاليف السكن دورًا أساسيًا في اتساع الفجوة بين جيل الطفرة وبقية الأجيال. فالأجيال التالية، من جيل إكس والألفية وجيل زد، تخصص جزءًا أكبر من ميزانياتها للإيجار أو أقساط الرهن العقاري.
وتقول أوليفيا ميتشل، أستاذة الاقتصاد في جامعة بنسلفانيا، "إنه لا ينبغي تفسير ثروة جيل الطفرة على أنها حصيلة قرارات مالية أفضل، بل نتيجة لفرص تاريخية ساعدتهم على شراء المنازل والاستثمار قبل القفزات الهائلة في قيم الأصول".
ظروف اقتصادية مواتية
توضح ميتشل أن جيل الطفرة دخلوا سوق العمل في فترة نمو اقتصادي قوي، وإنتاجية متصاعدة، وأجور حقيقية مرتفعة. كما كانوا في ذروة سنوات الادخار أثناء الأسواق الصاعدة الطويلة في الثمانينيات والتسعينيات، وكذلك خلال الانتعاش الذي تلا الأزمة المالية العالمية. وتمتعوا كذلك برسوم جامعية ورعاية صحية أقل، وسياسات ضريبية ميسرة، منها انخفاض ضرائب أرباح رأس المال.
أما الأجيال الأصغر فقد دخلت سوق العمل في خضم الأزمة المالية بين 2007 و2009، وعانت تقلبات مالية أشد، إضافة إلى أعباء ديون الطلاب، وتكاليف رعاية الأطفال التي تضاعفت تقريبا.
ويقول جيريمي ني، أستاذ في جامعة كولومبيا، "إن الظروف الاقتصادية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية سمحت لهذا الجيل بركوب موجة ازدهار طويلة، بينما واجهت الأجيال اللاحقة فقاعة الدوت كوم، وأزمة الإسكان في 2008، وتداعيات جائحة كورونا، وكلها أضعفت قدرتهم على الاستثمار وتجميع ثروة".
كما استفاد بعض أبناء الجيل الكبار من خطط المعاشات التقاعدية التقليدية في الثمانينيات، ما ضاعف ملكيتهم للأسهم. واليوم، نحو نصف ثروة جيل الطفرة مقيدة اليوم في شكل نقود وسندات وأسهم وصناديق استثمار، ورغم أنهم يمثلون نحو خمس السكان فقط، إلا أنهم يملكون أكثر من نصف الأسهم وصناديق الاستثمار في البلاد.
وفقا لبيانات الاحتياطي الفيدرالي، بلغ إجمالي ثروة جيل الطفرة 85.4 تريليون دولار خلال الربع الثاني من العام. وهذا يعادل ضعف ثروة جيل إكس تقريبًا، وأربعة أضعاف ثروة جيل الألفية.
السكن: القصة الكبرى
لعل الحصة الكبرى من ثروة جيل طفرة المواليد تتمثل في منازلهم. فقد كانوا قادرين على شراء أو إعادة تمويل منازلهم بفوائد منخفضة جدًا. وكان متوسط سعر المنزل في 1976 نحو 42,800 دولار (ما يعادل 242,400 دولار بعد التضخم)، مقارنة بـ 410,800 دولار اليوم.
ويضيف الخبراء أن "أسعار المنازل ترتفع أسرع بكثير من أجور الأجيال الشابة، ومعدلات الرهن الحالية لا تساعدهم". واليوم، نحو ثلث ثروة أبناء جيل الطفرة هي ملكية منزلهم الأساسي، فيما اشتروا منازلهم أصغر سنًا وبأسعار أقل بكثير، ما أتاح لهم الاستفادة من عقود من الارتفاع المتواصل في قيم العقارات.
كما ارتفع متوسط عمر المشتري لأول مرة إلى 40 عاما، بعد أن كان في أواخر العشرينيات في الثمانينيات، وفقا لمسح أجرته الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين عام 2025.
ويشير مايكل وولدن، أستاذ الاقتصاد الفخري في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، إلى أن جزءا من الفجوة يعود إلى تغير التفضيلات، إذ يميل الشباب إلى الإيجار أو انتظار "المنزل المثالي" بدل شراء منزل كبداية كما كان يفعل آباؤهم.

