من التوابل إلى الخلطات التجميلية وصولا إلى الأدوية الشعبية، يواصل قطاع العطارة السعودي نموه رغم تحديات ضعف اشتراطات السلامة والتنظيم، التي طالما كانت صفة ملازمة لمحلات العطارة، وفق جولة لـ"الاقتصادية" التقت فيها خبراء في القطاع وجهات تنظيمية ذات صلة.
وقالوا: إن القطاع يغادر التقليدية ويتحول رقميا للمبيعات الإلكترونية محليا وخارجيا، كما بدأ بعض رواد الأعمال الشباب بناء علامات تجارية معلبة، تظفر بحصة في السوق، في حين سجل القطاع نموا في عدد السجلات التجارية خلال 2024 بلغ 15% على أساس سنوي، ما يظهر أنه ما زال جاذبا للاستثمارات.
لا تسجيل للأعشاب الخام
وفي حين طالب خبراء ومستهلكون بضرورة فرض أنظمة واضحة وتدريب العاملين لضمان جودة المنتجات وتعزيز ثقة المستهلك، أكدت الهيئة العامة للغذاء والدواء لـ"الاقتصادية" أنها تعمل على رقابة منافذ بيع العطارة من خلال حملات تفتيشية دورية ومشتركة مع عدد من الجهات الحكومية، بهدف تعزيز سلامة المنتجات المتداولة.
وأوضحت بأنها لا تقوم بترخيص محلات العطارة في السعودية، ولا يتم تسجيل الأعشاب على هيئتها الخام، وإنما تسجل المستحضرات العشبية (المصنعة على شكل صيدلاني) بعد تقييم جودة تصنيعها وسلامتها وفعاليتها.
الهيئة رصدت خلال جولاتها التفتيشية عددًا من المخالفات المتكررة في محلات العطارة، من أبرزها تداول مستحضرات صيدلانية لا يُسمح ببيعها في منافذ العطارة، وتداول منتجات تجميلية لا تحتوي على التحذيرات اللازمة أو غير مدرجة في نظام الإدراج لدى الهيئة.
وتعد مهنة العطارة من أقدم المهن في العالم العربي والإسلامي، ولها مكانة خاصة في التراث الشعبي والطبي، وفي محلات العطارة العربية، تتراص أكياس الأعشاب الطبية مثل الميرمية والبابونج والزعتر، إلى جانب أصناف التوابل كالقرفة والهيل والكركم والفلفل الأسود، كما تعرض بعض المحلات زيوتا طبيعية متعددة الاستخدام، مثل زيت الخروع واللوز وجوز الهند، وأنواع العطور الشرقية والمسك والعنبر، ولا يكتمل المشهد دون خلطات العناية بالبشرة والشعر واللبان والبخور والصمغ العربي، وتتوسع محلات العطارة في السعودية في المبيعات، إذ تضم أقساما للمكسرات والشاي والقهوة والتمور أحيانا.سوق بـ 90 مليار دولار
أما سوق الأدوية العشبية فيبلغ نحو 71 دولار 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 330 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب 21% للفترة من 2024 إلى 2030 وفقا لـ grand view research.
وفي حين تباع الأدوية العشبية والتوابل في محلات واحدة في السعودية والمنطقة الخليجية، يتم التفريق بينها في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ما يضع لكل منها حجم سوق مستقل.
تتصدر الأمريكية "ماكورميك" قائمة كبار شركات التوابل بنحو 7 مليارات دولار من المبيعات في السنة المالية 2024، بارتفاع طفيف عن العام السابق، والشركة الأكبر عالميا في صناعة التوابل تصف نفسها بأنها "رائد سوق التوابل النقية" أي أن نشاطها مركز في هذا المجال بنسبة تقارب 100٪، بينما تأتي في المرتبة الثانية السنغافورية مجموعة أولام والتي تعد شركة زراعية–تجارية لديها جزء لا يستهان به من مبيعات التوابل.
نمو 15% في السجلات التجارية
وأوضحت لـ"الاقتصادية" وزارة التجارة بأن عدد السجلات التجارية لنشاط بيع المكسرات والتوابل والعطارة بلغ حتى نهاية 2023 نحو 28 ألف سجل، ارتفع إلى 33 ألف سجل بنهاية 2024، بنمو 15%.
وجاءت الرياض في المرتبة الأولى بـ 10 آلاف سجل، تليها مكة المكرمة بـ 9800 سجل، ثم المنطقة الشرقية بنحو 4 آلاف سجل، والمدينة المنورة بـ 2500 سجل.
أمانة جدة: منع بيع الخلطات غير المرخصة
وأكدت لـ"الاقتصادية" أمانة جدة بأنه يتم تطبيق لائحة الاشتراطات الصحية لمحلات العطارة الصادرة من وزارة البلديات والإسكان، التي تمنع بيع الخلطات والوصفات الشعبية غير المرخصة.
الأمانة شددت على ضرورة التزام المحلات بتطبيق الضوابط الصحية المتعلقة بالتوابل والبهارات والأعشاب، مشيرة إلى أن التراخيص تصدر عبر منصة “بلدي” حصراً باسم "البيع بالتجزئة للمكسرات والبن والتوابل والعطارة".
مدير شركة عطارة: قطاعنا مهمش
من جهته قال عبدالله العيسى، المدير التنفيذي لشركة بيت الحكمة للعطارة، إن القطاع ما زال "مهمشا" حيث يسيطر عليه عمالة غير مدربة تفتقر للمعرفة الدقيقة بأنواع الأعشاب وفوائدها، وأشار إلى أن محلات العطارة تضم أكثر من 500 صنف من الأعشاب، و200 صنف من البهارات، و100 صنف من المكسرات، وكلها تحتاج إلى خبرة متخصصة للتمييز بين الجودة والأنواع المختلفة.
وأوضح العيسى أن أغلب المحلات الشعبية ما زالت تعرض منتجاتها مكشوفة دون مراعاة لمعايير التعبئة والتغليف، مما يزيد احتمالية الغش وفقدان الثقة، وقال: "هناك من يقوم بخلط البهارات بمساحيق أخرى لزيادة الكمية، ما يضر بسمعة القطاع."
وشدد على أهمية تدريب العاملين ومنحهم رخص عمل مشابهة للممارسين قطاع المطاعم، مؤكداً أن ضعف النظافة وقلة الخبرة تحد من تنافسية السوق، خاصة في ظل وجود محلات عشوائية تبيع دون رقابة على الجودة.
وحول اشتراط طحن البهارات أمام المستهلك، أشار إلى أن ذلك يتطلب توفير مطاحن منفصلة لكل نوع من البهارات لتجنب اختلاط النكهات، وهو ما يمثل تحديا كبيرا من ناحية التكاليف والإمكانات.
التنافس مع المنتجات المعلبة
العيسى أكد أن المستهلكين يفضلون الأعشاب الطازجة من محلات العطارة مقارنة بتلك المعلبة والمباعة في المتاجر الكبرى أو الصيدليات، لما تتميز به من جودة ونكهة طبيعية، موضحا أن صلاحية البهارات المطحونة لا تتجاوز 3 أشهر، بينما تمتد صلاحية غير المطحونة إلى ما بين 6أشهر وسنة إذا خزنت في ظروف تبريد مناسبة وتم تقليبها بشكل دوري للحفاظ على الجودة.
من جهته أوضح لـ"الاقتصادية" منير مياجان المدير العام لمؤسسة مياجان للعطارة سوق العطارة في السعودية شهد ارتفاعا في حجم الطلب مع التحول للبيع الالكتروني على المستوى المحلي والدولي، حيث تستقبل الشركات السعودية طلبات شراء إلكترونية من دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وايضا من مصر والعراق، يتم شحنها فوريا عبر الشركات المتخصصة.
وقال إن الطلب يكون على أعشاب خاصة ونادرة ومتواجدة فقط في السعودية، وتخص علاج العظام والباطنية وغيرها من الأمراض، لافتا أن الأعشاب علم كبير، ينقسم إلى أعشاب بحرية وأخرى برية، وهو جزء أساسي من علم الطب والصيدلة الحديث حيث تستخدم كثير من النباتات والأعشاب في التركيبات الدوائية للطب المعاصر.
بين المحلي والمستورد
في السعودية توجد مزارع مخصصة للاعشاب مثل الطائف وجازان وأبها، أسعارها عادة أعلى من الأعشاب المستوردة نظرا لجودتها، وفق ما ذكره منير.
وأضاف: يتم استخدام عمليات التغليف والتعبئة لمنتجات العطارة عبر مصانع مخصصة، تخضع للتحاليل عبر مختبرات داخل المصانع ولا سيما منتجات الزيوت، واصدار شهادات للمنتج السليم، وهذه الإجراءات ساهمت في زيادة الانتاج والتوزيع وعمليات التنظيم.
الأعشاب المستوردة من الخارج تكون فيها المنتجات جافة وتخضع لتحاليل معينة قبل دخولها إلى السوق السعودية وفقا لمياجان الذي أكد أن الخطط المستهدفة لسوق العطارة هو العمل على إنشاء مصانع لمنتجات العطارة وأخرى لعمليات التغليف والتعبئة نظرا لكثرة المنتجات من الأعشاب والزيوت، مع توزيع قوي للمنتجات لأنها ذات مدة صلاحية قصيرة نسبيا.
وقال بأن بعض المستهلكين يفضلون أن تكون منتجات العطارة مجهزة آليا عبر المكائن الحديثة بدلا من الاسلوب التقليدي في السابق باستخدام التعبئة عبر عملية الوزن.
تاريخيا، قال مدير محلات مياجان إن مهنة العطارة بدأت منذ عهد الملك عبدالعزيز، وكان العطار يسمى آنذاك بالحكيم، نظير خبرته في عمل الوصفات الطبية بالاعشاب، وأضاف: لا تزال فئة كبيرة من المجتمع تلجأ للعطارة للتداوي باستخدام الأعشاب بدلا من المستشفيات.

