تقترب سوق النفط العالمية من نهاية 2025 وهو يطوي واحدة من أكثر السنوات اضطرابا منذ جائحة كورونا، بعد سلسلة من الصدمات الجيوسياسية والتجارية التي رفعت مستويات عدم اليقين، ودفعت أسعار الخام إلى تسجيل أسوأ أداء سنوي منذ تلك الفترة.
مع ذلك، لا يعكس هذا التراجع ضعفا هيكليا في الطلب بقدر ما يعكس عاما استثنائيا من التقلبات، أعادت فيه السياسة والجغرافيا السياسية رسم مسار الأسعار أكثر من العوامل الأساسية التقليدية.
أطول تراجعات منذ 10 سنوات
يتجه خام برنت إلى إنهاء العام بأطول سلسلة تراجع سنوية منذ 2015، وفق بيانات "بلومبرغ"، مسجلا ثالث عام متتال من الخسائر.
بدأ العام عند مستوى 73 دولارا للبرميل، وحقق أداء إيجابيا في يناير، مسجلا أعلى مستوى له خلال العام عند 82.25 دولار للبرميل، بارتفاع بلغ 10%. إلا أن المسار سرعان ما انعكس، ليدخل النفط موجة تراجع حادة امتدت حتى أبريل، فقد خلالها نحو ثلث قيمته، مسجلًا أدنى مستوى له هذا العام عند 58.44 دولار للبرميل.
ومنذ ذلك الحين، لم تسجل الأسعار مستويات أدنى، لكنها تحركت في اتجاه أفقي ضمن نطاق تذبذب بلغ نحو 27%، وهو نطاق يتسق مع تقلبات السنوات القليلة الماضية.
وبلغ خام برنت 61.66 دولار للبرميل في تعاملات اليوم، لتصل خسائره منذ بداية العام إلى نحو 17%، وهي النسبة الأعلى منذ الجائحة.
تقلبات تقودها التجارة والسياسة
لم يستمر الاتجاه الإيجابي لأسعار النفط في مطلع العام، مع تصاعد القلق حيال التجارة الدولية، في ظل تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية واسعة، ومع إقرار هذه الرسوم مطلع أبريل، بلغ خام برنت أدنى مستوياته خلال العام.
وأثار تصاعد النزعة الحمائية مخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي ونهاية مرحلة العولمة، ما دفع المحللين إلى خفض توقعاتهم للنمو، غير أن هذه المخاوف تراجعت لاحقًا مع تأجيل تطبيق الرسوم، والتوصل إلى أطر اتفاقات تجارية مع عدد من الدول، إضافة إلى مفاهمات مع الصين، أسهمت في تهدئة القلق بشأن اقتصاد أكبر مستوردي النفط عالميًا.
لطالما لعبت الأحداث السياسية دورًا محوريًا في تحركات أسعار النفط، ومع تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، تداولت خامات النفط بعلاوة مخاطر مرتبطة بإمكانية تعطل الإمدادات من روسيا، التي تُعد من بين أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أن هذه المخاوف تراجعت تدريجيًا مع نهاية العام، ما ضغط على الأسعار مع تقلص علاوة المخاطر.
في منتصف العام، شهدت الأسعار قفزات حادة عقب اندلاع عمليات عسكرية بين إسرائيل وإيران، ما رفع علاوة المخاطر المرتبطة بإمدادات النفط، خاصة مع التهديدات بإغلاق مضيق هرمز.
وبلغت ذروة التقلبات مع عملية “مطرقة منتصف الليل”، التي شملت هجمات أمريكية استهدفت منشآت نووية إيرانية، قبل أن تهدأ الأوضاع سريعًا بعد الرد الإيراني واحتواء التصعيد.
نمو الطلب مستمر في 2026
تعكس تقديرات كل من “أوبك” و”وكالة الطاقة الدولية” رؤيتين مختلفتين لطبيعة سوق النفط في 2026، رغم تقاطعهما في عدد من النقاط الأساسية. إذ يتفق الطرفان على أن الطلب العالمي على النفط سيواصل النمو، وأن الحديث عن ذروة وشيكة للطلب لم يتحقق بعد، كما يتشاركان الرأي بأن آسيا والبتروكيماويات ستظلان من أبرز محركات الطلب.
إلا أن الاختلاف الجوهري يكمن في وتيرة هذا النمو وفي قراءة التوازن الكلي للسوق. فـ”أوبك” تتوقع نمو الطلب بنحو 1.4 مليون برميل يوميًا، وترى سوقًا متوازنة نسبيًا مع مخزونات دون المتوسط التاريخي، ما يعزز الحاجة إلى دور نشط لتحالف “أوبك+” في إدارة الإمدادات.
في المقابل، تقدّر “وكالة الطاقة الدولية” نمو الطلب عند 860 ألف برميل يوميًا فقط، مقابل نمو أسرع للمعروض يصل إلى 2.4 مليون برميل يوميًا، ما يقودها إلى سيناريو فائض هيكلي في السوق خلال 2026، وارتفاع المخزونات العالمية.
وبذلك، تنطلق “أوبك” من قراءة تركز على مخاطر نقص الاستثمار وحساسية السوق للصدمات، بينما تميل الوكالة إلى إبراز مخاطر وفرة العرض وتباطؤ التحول في أنماط الاستهلاك، في اختلاف يعكس تباينًا في المنهجية أكثر منه خلافًا حول الاتجاه العام للسوق.
وكالة الطاقة الدولية تتحول إلى الواقعية
تأسست وكالة الطاقة الدولية 1974 كردة فعل مباشرة على المقاطعة النفطية التي قادتها دول عربية ضد الدول الداعمة لإسرائيل، بهدف توحيد مواقف الدول المستهلكة وتقليص نفوذ المنتجين.
ومنذ ذلك الحين، اتسمت بعض تقديرات الوكالة بالابتعاد عن واقع السوق، مع مبالغة في توقعات فائض المعروض وتسارع التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، ما كان له أثر مباشر في تشكيل توقعات وأسعار الطاقة.
غير أن هذه السردية بدأت تتآكل مع اصطدامها بوقائع السوق. ففي سبتمبر 2023، صرح المدير التنفيذي للوكالة لصحيفة فاينانشيال تايمز بأن العالم يشهد “بداية نهاية عصر الوقود الأحفوري”، في موقف بدا حاسمًا.
إلا أن هذا الجزم خضع للمراجعة لاحقًا، إذ أظهر تقرير “آفاق الطاقة العالمية 2025” تحولًا لافتًا في لهجة الوكالة، مع إقرارها بأن الطلب على النفط والغاز لا يبلغ ذروته حتى 2050، وأن النفط يظل الوقود المهيمن خلال تلك الفترة، مع تقارب تقديراتها طويلة الأجل مع تقديرات “أوبك”.
وقد أعاد هذا التحول إلى الواجهة توصيف وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، لسيناريو “الحياد الكربوني” الذي روّجت له الوكالة منذ 2021، حين وصفه بـ”سيناريو لالا لاند”، محذرًا من أن الدعوة لوقف الاستثمارات النفطية تمثل وصفة لأزمة طاقة عالمية، في حال تجاهلت نمو الطلب الفعلي.
أوبك+ تقود توازن السوق
في مقابل تراجع الرهانات على فائض المعروض، برز دور تحالف “أوبك+” خلال 2025 بوصفه عامل التوازن الأهم في سوق اتسمت بتقلبات حادة وضبابية عالية.
واعتمد التحالف نهجًا قائمًا على الإدارة الحذرة والمرنة للإنتاج، بدل استهداف مستويات سعرية محددة، عبر مزيج من التخفيضات الطوعية، والزيادات التدريجية المشروطة، والتشديد على الالتزام وآليات التعويض.
كما حافظت الدول الـ8 الأساسية على تخفيضات طوعية إضافية قابلة للإيقاف أو الإعادة وفق متغيرات السوق، مع تعليق الزيادات خلال الأشهر الأولى من 2026 لأسباب موسمية، ما عزز ثقة الأسواق بقدرة التحالف على التدخل الاستباقي.
وفي هذا السياق، أقر الاجتماع الوزاري 40 لـ”أوبك” والدول من خارجها اعتماد آلية تقييم الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة (MSC)، لتكون مرجعًا لخطوط الأساس الإنتاجية لعام 2027.
ووصف وزير الطاقة السعودي هذه الآلية بأنها “نقطة تحول” في إدارة السوق، كونها توفر نهجًا أكثر عدالة وشفافية لتحديد الحصص، وتكافئ الدول التي تستثمر فعليًا في قدراتها الإنتاجية.
كما عزز الاجتماع التزام التحالف بالإبقاء على مستويات الإنتاج المتفق عليها حتى نهاية 2026، ومنح لجنة الرقابة الوزارية المشتركة صلاحيات أوسع لمتابعة أوضاع السوق والالتزام، في تأكيد على مقاربة تركز على إدارة التوازن طويل الأجل، بدل الاستجابة قصيرة الأمد لتقلبات الأسعار.