انطلقت فعاليات موسم الرياض الجديد تحت أشعة الشمس الذهبية عصر يوم الجمعة في منطقة البوليفارد بمشاركة آلاف العارضين والمتفرجين بالتعاون مع شركات عالمية كما أعلن المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه الذي أوضح أيضًا أن النسخة الجديدة تشمل عدة مفاجآت أبرزها إطلاق منطقة "بيست لاند" الجديدة بالقرب من حي حطين التي تضم أكثر من 40 متجرًا ومطعمًا و15 لعبة حركية و12 تجربة ترفيهية مبتكرة.
وفقا لتصريحات آل الشيخ، تشهد النسخة الجديدة تقديم 14 مسرحية جديدة خليجية وسورية، و20 حفلة متنوعة مع تركيز خاص على الفن السوري ومنحه الفرصة لإظهار مواهبه خاصة بعد استقرار وضعه السياسي، كما تنضم دول إندونيسيا والكويت وكوريا الجنوبية لأول مرة إلى قائمة المشاركين في الكرنفال الأضخم في الشرق الأوسط.
تفاصيل النسخة الجديدة تمثل ماوصل إليه نجاح موسم الرياض الذي أحدث أثرًا كبيرًا ليس على مستوى الأرقام فقط بل في مفهوم الترفيه نفسه، فقبل 9 سنوات كان الترفيه يعني عند الأغلبية تسلية وتمضية أوقات الفراغ أو حفلات تقام بين حين وآخر للترويح عن المواطنين، وأحيانا احتفالات بمناسبة الأعياد الوطنية وعادة ما يكون المشاركون فنانون محليون فقط.
يؤكد ذلك خريطة الترفيه قبل مهرجان موسم الرياض، التي كانت محدودة ولا تتجاوز بعض الفعاليات أبرزها مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة وهو فعالية سنوية أسسها الحرس الوطني السعودي 1985 وتقام في شمال شرق الرياض للاحتفاء بالفلكلور السعودي، كما كان هناك مهرجان "جدة غير" الذي تأسس في عام 1999 من خلال الغرفة التجارية الصناعية في جدة وكان الهدف منه تنشيط السياحة الداخلية في فصل الصيف وتعويض موسم الركود التجاري وإبراز جمال عروس البحر الأحمر.
غياب البعد الاقتصادي كان السمة الغالبة على تلك الفعاليات، فمهرجان الجنادرية مثلا كان يقدم على كونه فعالية غير ربحية وتمويله بالكامل يأتي من الجهة المنظمة وميزانيته من البنود المخصصة للأنشطة الثقافية والتراثية، أما مهرجان جدة فكان أفضل قليلًا من تلك الناحية، إذ حقق بعض الأرباح مثلما حدث في 2014 حين أدى الإقبال عليه إلى حجز 7 آلاف غرفة فندقية وما يزيد على 25 ألف وحدة سكنية مفروشة.
وذلك إضافة إلى خلق فرص عمل غير مباشرة للعديد من المواطنين وزيادة المنافسة بين 360 مركزا ومجمعا تجاريا للفوز بأكبر عدد من المستهلكين، وبلغت إيراداته 3 مليار ريال بحسب تصريحات محمد العمري المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة مكة المكرمة آنذاك.
نظرت رؤية 2030 إلى الترفيه نظرة مختلفة فلم تعتبره مجرد تسلية بل أداة تنمية متكاملة تحقق أكثر من هدف، أولها تحسين جودة حياة الناس وبناء مجتمع أكثر سعادة، وثانيًا ركن اقتصادي مهم يمكن البناء عليه لتحقيق اقتصاد أكثر تنوعًا، بتلك المعادلة تغير المفهوم تمامًا خاصة بعد تأسيس الهيئة العامة للترفيه 2016 والانطلاق في عدة مشروعات مثل مدينة القدية وعودة دور السينما وتنظيم فعاليات رياضية وترفيهية عالميًا.
اعتبر موسم الرياض الذي تأسس في عام 2019 رأس الحربة في قطاع الترفيه، إذ تم تصميمه ليكون الأضخم في الشرق الأوسط والأكثر ربحية أيضًا، كما تم التعويل عليه ليكون ضمن منافذ خلق فرص العمل للشباب وتنشيط السياحة وتعزيز الاقتصاد المحلي، وتمكن المهرجان في موسمه الأول من تحقيق ذلك إذ استقطب أكثر من 10 ملايين زائر وتجاوزت إيراداته المباشرة مليار ريال سعودي، أما الدخل غير المباشر المتمثل في زيادة عدد السائحين وقيمة الإعلانات التجارية وما إلى ذلك فقد بلغت نحو 4 مليار ريال سعودي.
استغل موسم الرياض انطلاقته القوية بعد ذلك فتجاوز في نسخته الثانية 15 مليون زائر وقدر عدد الزوار في شهر واحد 4.5 مليون زائر في رقم غير مسبوق، أما الأهم هو دخول شراكات راعية للمهرجان منها شركات سعودية عملاقة مثل أرامكو ومنها شركات عالمية مثل الدوري الإسباني الذي عقد شراكة مع المهرجان لتنفيذ مبادرات تسويقية وتنظيمية مشتركة وكذلك "ماتش رووم بوكسينج" البريطانية لتنظيم فعاليات الملاكمة والسنوكر وغيرهم ما أضفى على موسم الرياض صفة العالمية.
عالميًا توجد لموسم الرياض نماذج مشابهة مثل "مهرجان إدنبرة" الذي يقام منذ عام 1947 سنويًا ويستمر نحو شهر كامل لكن متوسط عدد زواره 3 ملايين زائر فقط، وأيضًا مهرجان ساوث باي ساوث ويست الذي يقام في ولاية أوستن الأمريكية ويجمع بين الثقافة والفن والمسرح ويتشابه مع موسم الرياض في استقطاب الشركات التجارية والنجوم وبلغ عدد زواره 400 ألف زائر.
فرق الأرقام من حيث الأرباح والزوار ليس الفرق الوحيد الذي يصب في مصلحة موسم الرياض، فالاختلاف الأكبر أنه يأتي ضمن إطار أوسع ومنظور شامل حددته رؤية 2030 وهذا ما يجعله حدثًا فريدًا على كافة المستويات، خاصة أن المهرجات الأخرى في الغالب من إنتاج شركات خاصة تهدف إلى الربح فقط عكس الكرنفال السعودي الذي يجمع بين الدعم الحكومي والربح وتحسين جودة حياة الناس وإظهار الوجه الحضاري للسعودية.
ما سبق يفسر وصول عدد زوار الموسم الماضي إلى 20 مليون زائر من 135 دولة، وتسجيله نحو 3000 زيارة إعلامية دولية و110 مليار ظهور إعلامي على المنصات العالمية ما يعكس حضوره الدولي الواسع.
كما يفسر سبب تقدير العلامة التجارية للموسم فقط بـ.3.2 مليار دولار بمشاركة أكثر من 2100 شركة 95% منها شركات سعودية وهو التأثير الأكبر لخلطة سعودية مزجت بين الفرح والاقتصاد والفن وفرص العمل والترفيه ودعم الشركات الوطنية.