تتجاوز بعض الوظائف في السعودية حدود المألوف لتصبح مزيجا من المغامرة والهواية، إذ يصل جرام السم الذي يستخرجه العاملون في مهنة "حلاب الأفاعي" إلى 10 آلاف دولار (37 ألف ريال) وتلامس رواتب الغوص الاحترافي 150 ألف ريال شهريا، لتكون الخطورة هي ضريبة النجاح المهني في مهن تتقاطع فيها خطوط الحياة والموت.
"الاقتصادية" أجرت بحثا حول هذه الوظائف، ومن أبرز هذه الوظائف وظيفة حلاب الأفاعي، حيث يتم جمع سم الثعابين السامة في أوان زجاجية خاصة معدة خصيصا لذلك لاستخدامها في صناعة وإنتاج مضادات السموم والأدوية الأخرى.
وليس أي شخص قادرا على القيام بهذه الوظيفة، فحلابو الثعابين عادة ما يكونون من المختصين في علم الزواحف أو علماء حيوان، ويستخرج الأشخاص الذين يعملون في هذا المجال المتخصص للغاية السم من الثعابين والزواحف الأخرى.
دخل شهري يصل إلى 18 ألف ريال لـ"حلاب الثعابين"
ووفقا لموقع" Snake sunggles "يراوح متوسط الدخل الشهري لحلاب الثعابين بين 2500 و5 آلاف دولار أي ما يراوح بين 10 آلاف و18 ألف ريال.
نايف المالكي المتخصص والناشط البيئي يكشف لـ"الاقتصادية" أن دخوله هذا المجال لم يأتِ من بوابة تربية الثعابين كما قد يظن البعض، بل من اهتمامه المبكر بالحياة الفطرية والتنوع الحيوي في السعودية.
ومع الوقت اكتشف أن رفع الوعي البيئي يبدأ من تصحيح الصورة الذهنية حول هذه الكائنات وأن علم السموم يرتبط مباشرة بالصحة العامة وصناعة الأمصال والبحوث الطبية ومن هنا جاءت نقطة التحول، إذ بدأ بدراسة سلوك الثعابين وخصائص سمومها بهدف دعم الأبحاث العلمية وحماية التنوع الحيوي.
يؤكد المالكي أن أسعار السموم تختلف بشكل واضح وفقا لعدة عوامل، أبرزها ندرة النوع وصعوبة تربيته وحجم الإنتاج والقيمة الطبية والعلمية للسم.
وتعد سموم الكوبرا الملك والمامبا السوداء وبعض الأنواع الأسترالية مثل التايبان من الأغلى عالميا خصوصا السموم العصبية التي تستخدم في أبحاث الأعصاب والتقنيات الدوائية، التي غالبا ما تتفوق سعريا على السموم الدموية.
الجهات الرسمية والعلمية وشركات الأدوية أبرز العملاء
وحول بيع السم يقول المالكي "إن البيع محصور لجهات رسمية وعلمية فقط من بينها شركات تصنيع مضادات السموم والجامعات ومراكز الأبحاث وشركات التكنولوجيا الحيوية المتخصصة في البروتينات والسموم، إضافة إلى مختبرات التحليل والصناعات الدوائية"، مشيرا إلى أن البيع للأفراد مخالف للأنظمة بشكل قاطع.
ويوضح أن تحديد السم في عملية التسعير يعتمد على مجموعة من المعايير منها درجة النقاء بمعنى هل هو سم خام أم مجفف بالتجميد، ونوع درجة السم إذ كان عصبيا أم دمويا أو مركبات بروتينية نادرة إضافة إلى كمية البروتين في المليجرام.
وتكلفة الاستخلاص التي تعتمد على عدد الثعابين والرعاية والتغذية مع المخاطر، إضافة إلى السوق العالمية واحتياجات شركات الأدوية، وبحسب السوق الدولية قد يصل سعر المليجرام الواحد من السموم العصبية النادرة إلى 300-100 دولار.
المالكي يشير إلى أن التصدير ممكن، لكن يخضع لإجراءات صارمة تشمل موافقة وزارة البيئة والحياة الفطرية وتصاريح CITES للأنواع المدرجة وشهادات السلامة الحيوية إضافة إلى إثبات أن الاستخدام مخصص للبحث العملي أو تصنيع الأمصال وإجراءات دقيقة في الجمارك باعتباره مادة عالية المخاطر واشتراطات النقل في حاويات تبريد معتمدة ووجود مستورد مرخص كما يعد النقل الدولي والتشريعات المتغيرة من أبرز التحديات.
وعن أكبر المخاطر المالية التي تواجه مزارع الثعابين فهي تنقسم إلى، نفوق الثعابين بسبب الأمراض أو تغير الحرارة وتراجع الإنتاج الموسمي، وارتفاع تكاليف الرعاية والمختبرات وتغير التشريعات الخاصة بإيواء الأنواع السامة إضافة إلى توقف تصدير أو تغير الأنظمة في الدول المستوردة وفقدان الأنواع النادرة التي يعتمد عليها الإنتاج، وشبهه بأنه "أخطر سيناريو مالي".
سعر الجرام الواحد يتفاوت بين 1000 دولار و 10 آلاف
اما عن أسعار سم الثعابين عالميا فهي متفاوتة، فبعض السموم العصبية قد تصل إلى 1000 دولار (3750 ريالا) للجرام، والأنواع الأسترالية النادرة قد تتجاوز 3500 دولار للجرام، والبروتينات المستخلصة من السم تتخطى 10 آلاف دولار للجرام (37 ألف ريال)، في حين إن أهم الأسواق العالمية لسم الثعابين هي الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا إضافة إلى المملكة المتحدة والهند وجنوب إفريقيا والصين.
أما أبرز التقنيات الحديثة في استخلاص السم فتشمل Micro-milking لاستخلاص كميات دقيقة دون إجهاد الثعبان وLyophilization لتجميد وتجفيف السم وحفظه لسنوات وProtein fractionation لفصل البروتينات عالية القيمة إضافة إلى HPLC لتحليل المركبات وأدوات تثبيت مطبوعة ثلاثيا لضمان استخلاص آمن.
صناعة كريمات للبشرة من سم النحل
وبدوره كشف النحال وصاحب متجر مناحل الثنيان، ثنيان الثنيان، عن تفاصيل تجربته في مجال استخراج سم النحل، مشيرا إلى أن بدايته جاءت من خلال دورة تدريبية نظمتها وزارة الزراعة شملت جوانب متعددة في تربية النحل وطرق استخلاص السم، وهو ما فتح له المجال للتوسع في هذا التخصص النادر.
وأوضح الثنيان أن سم النحل يعد من أغلى وأهم منتجات النحل، لكنه في المقابل يضعف طوائف النحل، لذلك لا ينصح باستخلاصه بشكل مستمر إذ يقتصر الإنتاج على مرة أو مرتين في السنة حفاظا على صحة النحل واستمرارية إنتاجه.
واستعرض الثنيان أبرز طرق استخراج سم النحل، مبينا أن الطرق البدائية تعتمد على إثارة النحل يدويا ليفرز السم على سطح زجاج أو جلد وهي طرق مجهدة ولها خسائر كبيرة، إذ قد يفقد بعض النحل آلة اللسع وغدد السم ما يؤدي إلى موته.
استخدامات تقليدية لسم النحل والأسعار تصل إلى 300 دولار
وللنحل سم يسمى أبيتوكسين، وهو سائل حمضي شفاف تفرزه غدد خاصة للدفاع عن المستعمرة، ويحتوي على بروتينات وإنزيمات مثل الميليتين والهيستامين، ويُعد ببتيد الميليتين المكون الأساسي والنشط فيه بنسبة تصل إلى 50% تقريبا من وزنه الجاف، وتظهر بعض الدراسات المنشورة في مجلة نيتشر العلمية الشهيرة أن الميليتين أظهر خصائص طبية واعدة، لكن استخدامه العلاجي يتطلب دقة عالية لتجنب التفاعلات التحسسية الحادة.
في المقابل ظهرت طرق حديثة أكثر أمانا وسرعة تعتمد على جهاز مبتكر يتكون من لوحة زجاجية تمر عليها نبضات كهربائية خفيفة لتحفيز النحل على إخراج السم دون إلحاق الضرر به، يتجمع السم على اللوح ثم يجمَّد وينقى وتستلزم عملية إنتاج جرام واحد من السم الجاف مئات الآلاف من اللسعات.
وأكد الثنيان أن الطلب العالمي على سم النحل مرتفع للغاية، بينما يظل الطلب المحلي ضعيفا بسبب عدم اعتراف الجهات المعنية به وعدم وجود معامل بحثية أو تعاون من شركات الأدوية ما يحول دون تطوير مشاريع رسمية لإنتاجه أو استخدامه العلاجي.
كما يستخدم سم النحل في الغرب لعلاج حالات لا يتوافر لها علاج طبي تقليدي، كما يدخل في صناعة مستحضرات التجميل وكريمات علاج البشرة، مع الإشارة إلى أن الجرعات العلاجية لا تتجاوز عادة جراما واحدا.
ويمكن أن يستخدم إما عبر مستحضرات تحتوي على السم، أو من خلال اللسع المباشر، وكلتا الطريقتين أثبتت فاعليتها في بعض الحالات مثل الإكزيما وعرق النسا وبعض الالتهابات، وفقا للثنيان.
وعن الجانب التجاري، أوضح الثنيان أن عدم توافر تراخيص رسمية وعدم تعاون شركات الأدوية دفع البعض إلى استخدام السم في إنتاج كريمات علاجية وتجميلية تباع مباشرة للعملاء، حيث تراوح أسعار جرام السم الواحد بين 30 و300 دولار، بحسب جودة الإنتاج ونقائه وطريقة استخلاصه، ولا تنتج النحلة الواحدة إلا ميكروجرامات قليلة، في حين لا يمكن إنتاج جرام واحد إلا بعد جمع إنتاج آلاف النحل على مدى فترات طويلة.
وأشار الثنيان إلى أن ممارسة مهنة النحل داخل المملكة مقتصرة على السعوديين فقط، بينما تنتج دول عربية أخرى وعلى رأسها مصر كميات كبيرة من سم النحل نتيجة انخفاض تكاليف العسل والطرود وتعاون شركات الأدوية مع النحالين ما ساعدها على أن تكون الدولة الأولى عربيا في هذا المجال.
وفي السياق ذاته بدأ شغف البحر لدى أحد الغواصين السعوديين كممارسة شخصية بحثا عن الهدوء والانضباط قبل أن يتحول إلى مسار مهني متكامل يشمل التدريب وقيادة الرحلات والعمل التجاري والاستشاري في المشاريع البحرية.
أحمد الجابر الغواص يؤكد أن شغفه دفعه أخيرا لتأسيس شركته المتخصصة في الأعمال البحرية عمق ألفا – ALPHA OMQ، خطوة يقول "إنها تمثل جزءا من حلمه في خدمة قطاع بحري سعودي يشهد نموا غير مسبوق".
رواتب الغواصين المحترفين: من 15 ألفا إلى 150 ألف ريال
أوضح الجابر أن دخل العاملين في القطاع يختلف باختلاف التخصص والخبرة، مبينا أن الغواص التجاري حديث التخرج يبدأ عادة براتب يقارب 15 ألف ريال شهريا، فيما ترتفع الرواتب بشكل ملحوظ عند التخصص، أي يبدأ في حالة الغواص المتخصص مثل اللحام من 30 ألف ريال، وغواص مفتش بخبرة عالية يصل إلى 45 ألف ريال أما الغواص التشبعي Saturation Diver فقد يتجاوز دخله 150 ألف ريال وفق المشروع والعمق وظروف العمل.
ويرى الغواص أن القطاع لا يخلو من تحديات أبرزها خطورة العمل المرتبطة بالأعماق والضغط العالي ومتطلبات اللياقة وارتفاع التكلفة بسبب المعدات المعتمدة وغرف الضغط وبرامج التأهيل وتذبذب الطلب تبعا لحركة المشاريع البحرية وقطاع النفط والغاز، إضافة إلى قلة الكفاءات المحلية المتخصصة، التي تتطلب تدريبا متقدما ووقتا طويلا.
لا مخاطر من المنافسة الأجنبية مع وجود فرص مستقبلية
وعن وجود منافسة من شركات وأفراد أجانب، يؤكد الغواص أن المنافسة موجودة لكنها ليست عائقا، بل دافعا للتطوير، خاصة مع التوسع الكبير في المشاريع الساحلية مثل نيوم ومشاريع البحر الأحمر.
ويشير إلى أن الطلب على الغواص التجاري يشمل فحص وصيانة الموانئ والمنشآت البحرية وتركيب وفحص الأنابيب تحت الماء وأعمال المدن الساحلية والمنتجعات الجديدة إضافة إلى صيانة السفن والمنصات البحرية.
يؤكد الجابر أن جدة وساحل البحر الأحمر يقدمان فرصا استثمارية واسعة في الغوص التجاري والصيانة والتفتيش والخدمات المساندة، مدفوعة بمشاريع النفط والغاز والموانئ والمدن المستقبلية.
يرى أن قطاع الغوص – بشقيه السياحي والتجاري – مقبل على نمو أكبر، بدعم مشاريع رؤية المملكة 2030، وتطوير المرافئ، ومراكز اليخوت، والبيئات البحرية، ما يجعل السعودية أمام مرحلة بحرية “تاريخية”، على حد وصفه، مشيرا إلى أن أبرز المناطق البحرية الجاذبة للسياح المحليين والأجانب هي ينبع وجدة وجزر فرسان وأملج ومشاريع البحر الأحمر.
يصف الغواص السوق السعودية بأنها الأسرع نموا في المنطقة، متفوقة على دول خليجية لديها تاريخ أطول في السياحة البحرية، ومؤكدا أن السعودية تتصدر الغوص التجاري عالميا من دون منافس حقيقي في حجم المشاريع.

