السياسات التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، من تقليص التمويل المخصص للجامعات المرموقة إلى سحب آلاف التأشيرات الدراسية، صعبت الطريق إلى الجامعات الأمريكية، وهو ما أثار مخاوف واسعة بين الطلاب وأولياء الأمور في آسيا، وتحديدا كوريا الجنوبية، وأصبحوا يعيدون النظر في الابتعاث إلى ما كان الوجهة الأولى للتعليم العالي بالنسبة للطلبة الآسيويين.
طالما كانت سيرينا أون، الطالبة الكورية الجنوبية، تأمل في دراسة علم النفس في جامعة هارفارد أو كولومبيا. فهي تدرس في فرع من المدرسة البريطانية العريقة "نورث لندن كوليجيت" في جزيرة جيجو، وهو معهد تعود خريجوه على الالتحاق بأعرق الجامعات الغربية. لكن أون، التي ستتخرج في 2028، تراقب بقلق التطورات السياسية في الولايات المتحدة.
وبحسب مقالة من صحيفة "نيكاي آسيا"، هذا التغير ليس محصورا على الولايات المتحدة وحدها، بل اتجاه بدأ يسود في الغرب. فحتى دول مثل المملكة المتحدة، كندا وأستراليا، والتي كانت وجهات رئيسية للطلاب الكوريين، بدأت تقيد سياسات التأشيرات الدراسية في إطار توجه أوسع لتقييد الهجرة. ومن جانبها، بدأت أسر كثيرة في كوريا الجنوبية، وسائر آسيا، تعيد تقييم جدوى إرسال أبنائهم إلى الجامعات الغربية، والبحث عن بدائل أخرى.
في كل من كوريا الجنوبية والصين، يتعرض الطلبة لضغط شديد بسبب نظام القبول في الجامعات المحلية. ولتخفيف هذا العبء عن أبنائهم، يسجلهم كثير من أولياء الأمور الميسورين في مدارس ثانوية دولية تفتح لهم أبواب الجامعات الأجنبية.
من هذا المنطلق، تأسست "مدينة جيجو العالمية للتعليم" في عام 2011، لتحتضن فروعاً لمدارس دولية مرموقة، وتوفر بيئة تعليمية أجنبية داخل كوريا تتيح للطلبة الدراسة دون مغادرة البلاد. وقد أسهم هذا المشروع في إبقاء نحو تريليون وون (ما يعادل 998 مليون دولار) داخل الاقتصاد الكوري، كان من الممكن أن ينفق على التعليم في الخارج. يذكر أن متوسط الرسوم الدراسية لسنة واحدة عادة يبلغ نحو 30 ألف دولار في مدارس جيجو الدولية.
وعلى الرغم من النجاح الظاهري لهذا المشروع، إلا أن جدوى مدينة جيجو التعليمية العالمية كجسر تعليمي بين كوريا الجنوبية والجامعات الأجنبية أصبحت تحت التهديد.
من ناحية أخرى، تواجه هذه المدارس ضغوطا مالية بسبب تراجع الاهتمام بالتعليم الجامعي في الخارج. فبحسب مكتب تشوي أون سوك، عضو البرلمان، التحق 96 ألف كوري جنوبي بجامعات في الخارج العام الماضي، بانخفاض 39.2% عن عام 2015. ويُعزى هذا الانخفاض إلى انخفاض تدفقات الطلاب إلى الولايات المتحدة والصين مع استقرار نسبي في التدفقات إلى وجهات رئيسية أخرى.
بدأت تداعيات هذا التحول تطول القطاع الخاص أيضا. طرح فرع مدرسة "نورث لندن" في جيجو للبيع لمستثمرين من القطاع وسط صعوبات مالية. ووفقا لإعلان إخباري صادر عن المدرسة، ستستحوذ عليها شركة "كوجنيتا" البريطانية، وهي تُدير أكثر من 100 مدرسة في 17 دولة.
وفي ظل هذا الوضع، بدأت بعض المدارس الدولية في جيجو بتعديل برامجها وخدماتها لتوفير دعم أكبر للطلاب الذين قد يضطرون إلى تغيير خططهم الجامعية إلى خيارات بديلة. ويتوقع هنري ويجينز، مدير مدرسة نورث لندن، أن يزداد غدد الطلاب المتقدمين للالتحاق بجامعات المملكة المتحدة المرموقة هذا العام.
من جانب آخر، بدأ يظهر اهتمام متزايد بالجامعات الآسيوية الكبرى، مثل جامعة هونغ كونغ، والجامعة الوطنية في سنغافورة، وجامعة واسيدا في اليابان، والتي تقدم برامج تعليمية عالية الجودة باللغة الإنجليزية. اكتسبت هذه الجامعات جاذبية وشعبية أكثر ليس فقط بسبب القيود في الغرب فحسب، بل لأنها تمنح خريجيها فرصا مهنية قوية في الأسواق الآسيوية النامية.
كذلك، تدخلت مؤسسات استشارية تعليمية لتوجيه أولياء الأمور نحو بدائل إقليمية. فمثلا، عقدت أكاديمية سيهان الاستشارية ندوة في جزيرة جيجو لإعادة التفكير في التوجه التقليدي نحو الجامعات الغربية، وتسليط الضوء على الجامعات الآسيوية كبدائل قوية. وأشار الرئيس التنفيذي كيم تشول يونج إلى أن مؤسسات مثل جامعة هونغ كونغ، والجامعة الوطنية في سنغافورة، وواسيدا اليابانية، تقدم تعليمً مرموقا باللغة الإنجليزية، وتؤهل الخريجين لوظائف مرموقة. من جانبه، قال المدير يانج دو هيوك: "السبب الرئيسي وراء جذب الجامعات الآسيوية للاهتمام هو أن الطلاب الأجانب الذين يتخرجون من تلك المؤسسات يُعاملون كمواهب رفيعة المستوى في هذه الأماكن."
يمر قطاع التعليم الدولي في كوريا الجنوبية بمرحلة انتقالية، إذ تفرض التغيرات السياسية العالمية والظروف الاقتصادية واقعًا جديدًا يدفع الأسر إلى إعادة النظر في مفاهيمهم التقليدية حول التعليم العالي. وبينما يتراجع الحلم الأمريكي تدريجيا، تتقدم الجامعات الآسيوية لتشغل موقعا جديدا في خارطة الطموحات الأكاديمية للأسر الكورية.