تسعى اليونان إلى تثبيت موقعها على خريطة الطاقة الأوروبية كجسر رئيسي لتدفق الغاز الأمريكي إلى القارة، في الوقت الذي تتسارع فيه الجهود الأمريكية والأوروبية لفك الارتباط مع الغاز الروسي قبل حظر استيراده بالكامل عام 2027.
وفي نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، وقعت أثينا ما يمكن وصفه باتفاق تاريخي طويل الأمد مع الولايات المتحدة لاستيراد 700 مليون متر مكعب سنويا من الغاز المسال اعتبارا من عام 2030، على أن تمتد الصفقة لعشرين عاما مع إمكانية زيادة الكميات المستوردة إلى ملياري متر مكعب سنويا.
تراهن اليونان في هذه الخطوة على مجموعة من العوامل التي تجعلها "الوكيل الأمريكي" في ملف إمدادات الغاز إلى أوروبا، خصوصا لمنطقة البلقان وشرق ووسط القارة. فموقعها الجغرافي يمنحها أفضلية واضحة، بينما تسهم استثماراتها في توسيع محطات تسييل الغاز لديها وإنشاء محطات جديدة، إلى جانب مضاعفة وارداتها من الغاز ثلاث مرات منذ عام 2020، بما يمكنها من تحقيق الرؤية الأمريكية التي عبر عنها وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت بقوله "نريد استبدال كل جزء من الغاز الروسي في أوروبا".
وقال لـ"الاقتصادية" الدكتور فيليب موريس، أستاذ اقتصاديات الوقود الأحفوري "تتحول أثينا الآن من نهاية لأنبوب الطاقة الروسي إلى نقطة انطلاق للطاقة الأمريكية نحو أوروبا، وبذلك تلعب دورا متقدما في إعادة رسم خريطة الطاقة الأوروبية، خاصة بعد أن خفضت عدة دول أوروبية رسوم عبور الغاز لتعزيز تنافسية المسار اليوناني مقارنة بالمسارات الشمالية".
لكن هذا الطموح، رغم الدعم الأمريكي الواضح له، يواجه قلقا أوروبيا متزايدا بشأن الاعتماد المفرط على الغاز الأمريكي الذي يسوق وفق شروط السوق المفتوحة، وفق موريس.
من جهتها، أوضحت لـ"الاقتصادية" باتي دونوهو الباحثة في مركز أبحاث الطاقة "أن الاعتماد الأوروبي على الغاز الأمريكي مكلف للغاية، فتكلفة الغاز المسال المستورد من الولايات المتحدة لا تزال تعادل ثلاثة أضعاف الأسعار التي كانت سائدة قبل حرب أوكرانيا، بينما أنفقت أوروبا منذ اندلاع الحرب أكثر من 258 مليار يورو على واردات الغاز معظمها من الولايات المتحدة".
وأضافت: "العقود الأمريكية تبرم عادة بمنح الموردين حرية إعادة توجيه الشحنات إلى الأسواق الأعلى سعرا، ما يجعل أمن الإمداد الأوروبي هشا، خصوصا خلال فصول الشتاء القاسية".
وبحسب عدد من الخبراء، فإن ارتفاع أسعار الكهرباء في الدول الأوروبية المعتمدة على الغاز الأمريكي يضعف قدرتها التنافسية الصناعية، بما في ذلك اليونان نفسها، ومن هنا يرى البعض أن مصلحة أثينا ستدفعها للسير في مسارين متوازيين: الأول: أن تكون مركزا لتوزيع الغاز الأمريكي إلى أوروبا على المدى القصير، والثاني: أن تتحول في الأمد البعيد إلى مركز لتصدير الطاقة النظيفة، مستفيدة من موقعها الجغرافي وإمكاناتها المتزايدة في مجال الطاقة المتجددة.
وتغطي الطاقة الخضراء اليوم أكثر من نصف احتياجات اليونان الكهربائية، مع توقع ارتفاعها إلى أكثر من 70% خلال العقد المقبل، لكن لتحقيق ذلك، تحتاج أثينا إلى تسريع الاستثمار في تكنولوجيا تخزين الطاقة عبر البطاريات، خاصة وأن البيانات الرسمية تشير إلى أن نحو 10% من إنتاج الكهرباء المتجدد يهدر سنويا بسبب محدودية قدرات التخزين.
بدوره، أكد لـ"الاقتصادية" كلارك كيليمان الاستشاري السابق في الوكالة الدولية للطاقة "أن من يملك مفاتيح الطاقة في العقود المقبلة لن يكون بالضرورة من يملك أنابيب الغاز، بل من يملك القدرة على إنتاج الكهرباء الخضراء وتخزينها وتصديرها".
كيليمان أشار إلى أنه يمكن لليونان أن تطمح لتصبح مركزا لتصدير الغاز نحو أوروبا، لكن أهدافها بعيدة المدى يجب أن تتركز في أن تصبح مركزا لتصدير الكهرباء النظيفة بالأساس، لأنها المستقبل الحقيقي للطاقة الأوروبية.

