تحولت كرة القدم السعودية إلى صناعة ضخمة في السنوات الأخيرة، بفضل الاستثمارات المحلية والأجنبية المتزايدة، ما يساعد الأندية على تنويع مصادر دخلها لضمان استدامتها المالية.
بينما تعتمد الأندية على مصادر الدخل التقليدية مثل حقوق البث، الرعاية، وبيع التذاكر، أصبح هناك الآن مجال للاستفادة من مصادر غير تقليدية تفتح آفاقًا جديدة للابتكار التجاري، ما يتيح ضخ مبالغ ضخمة قد تصل إلى مئات الملايين من الريالات في خزائن الأندية.
الدكتور محمد فضل الله، الخبير الإستراتيجي الرياضي الدولي، يؤكد أن الأندية السعودية بحاجة إلى تنويع مصادر دخلها بما يتناسب مع رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تحقيق الاستقلال المالي للأندية، ورغم أن معظم الأندية لا تزال تعتمد بشكل كبير على الرعاية وإيرادات البث، فإن الفرص غير التقليدية التي أتاحتها الأنشطة الرياضية العالمية تقدم إمكانيات جديدة لضمان استدامة مالية بعيدة المدى.
فهناك مصادر دخل غير تقليدية قد تسهم في تعزيز إيرادات الأندية السعودية، وهي:
إنشاء الأندية أكاديميات خارج الحدود
أضاف فضل الله: "أول مصادر الدخل غير التقليدية التي يمكن أن تعتمد عليها الأندية السعودية هي إنشاء أكاديميات في دول، سواء في آسيا أو إفريقيا أو أوروبا، تقدم تدريبًا باسم النادي، وتمنح تراخيص استخدام علامته التجارية، وتوفّر برامج تطويرية وأكاديمية للاعبين الصغار".
هذا المشروع تكمن فوائده في: 1- تحقيق دخل من الرسوم الدراسية للاعبين الدوليين، 2- دخل من حقوق الترخيص (Franchise) مع شركاء محليين، 3- تعزيز العلامة التجارية للنادي على مستوى عالمي، 4- إمكانية اكتشاف مواهب وتحويلها لاحقًا (بيع للاعبين).
تابع: "هناك ملاحظات تطبيقية نحو هذا المشروع، هي: 1- اختيار موقع دولي يستهدف سوقًا ناشئة (مثل دول إفريقيا أو جنوب شرق آسيا) ذات شغف بكرة القدم، مع شريك محلي، 2- تصميم برامج متميزة تجمع بين تعليم كرة القدم وتطوير المهارات الحياتية، على غرار الأكاديميات الأوروبية، 3- تسويق قائم على اسم النادي السعودي وقيمه، ما يمنح ميزة تفوق، 4- تأمين ترخيص استخدام العلامة التجارية والإشراف الفني من النادي الأم".
وحول التحديات التي تواجه هذا المشروع، أجاب: "تكلفة التأسيس والكوادر الأجنبية، وضرورة التكيف مع قوانين البلد المضيف، إلى جانب ضمان جودة التدريب والحفاظ على سمعة العلامة التجارية".
في السياق نفسه، قال الدكتور طلال المغربي، خبير الاقتصاد والتسويق الرياضي، إن السعودية تُعد وجهة سياحية دينية على مدى العام بفضل الحج والعمرة، ما يتيح للأندية الرياضية، خاصة في مدن مكة المكرمة والمدينة المنورة والمنطقة الغربية مثل الوحدة وأحد والأنصار، استغلال التدفق المستمر للزوار من خلال إنشاء أكاديميات رياضية بمعايير عالمية في مختلف أنحاء السعودية، يمكن أن تمتد لتصل إلى الدول العربية والآسيوية والإفريقية.
تأسيس منصّات رقمية ومحتوى مدفوع
يرى طلال المغربي أنه من الضروري أن تُعيد الأندية السعودية النظر في إستراتيجياتها التسويقية، خاصة في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفاً: "على سبيل المثال، يصل سعر منشور واحد للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى ما يقارب مليون دولار، فما بالك إذا كانت الأندية قادرة على إنشاء محتوى رياضي حصري مع اشتراكات وتمكين الرعاة من الوصول إلى أسواق جديدة من خلال منصات متعددة بلغات مختلفة؟ صناعة المحتوى الرياضي يمكن أن تُصبح مصدرًا هامًا للإيرادات إذا تم استغلالها بشكل تجاري واحترافي".
واصل: "يجب الاستفادة من الوسائط الرقمية الحديثة مثل البودكاست وغيرها، على سبيل المثال، نادي الاتحاد أنشأ استوديو خاصًا لصناعة المحتوى الرقمي، لذا، فإن تسليط الضوء على الكواليس النادي وتفاعلات اللاعبين مع المدربين يمكن أن تقدم كمادة مشوقة للجماهير عبر اشتراكات شهرية بسيطة (مثل 7 دولارات) لمتابعة المحتوى الحصري، ما يسهم في تحقيق دخل إضافي كبير إذا كان النادي يمتلك قاعدة جماهيرية ضخمة على منصات التواصل الاجتماعي".
تابع: "بإمكان الأندية المحلية استهداف أسواق جديدة، مثل أسواق شرق آسيا، من خلال إنشاء محتوى بلغات متعددة وطرح اشتراكات بأسعار منخفضة، يمكن لهذا النموذج أن يولد دخلًا يراوح بين 700 ألف دولار شهريًا وأكثر، اعتمادًا على مدى جودة المحتوى وجذب الجماهير.
واتفق فضل الله مع المغربي على ضرورة إطلاق منصة رقمية للنادي (أو التعاون مع جهة تقنية) تقدم محتوى حصريًا (مقابلات، تحليلات، بث مباشر لتدريبات، دورات تعليمية، اشتراكات مميزة للأعضاء، إمكانية الوصول إلى بطولات افتراضية، ومنتجات رقمية مثل NFTs، فيديوهات قصيرة، دورات تدريبية)، حيث تكمن فوائد هذا المشروع في تحقيق دخل متكرر عبر اشتراكات شهرية أو سنوية، مع توسيع قاعدة جماهير النادي عالميًا، واستغلال الشعبية المتنامية للأندية السعودية وتحولها إلى محتوى عالمي.
استطرد فضل الله: "الملاحظات التطبيقية، هي: تطوير تطبيق أو منصة ويب باسم النادي تتضمن محتوى مميزًا باللغتين العربية والإنجليزية، تقديم مستويات اشتراك متعددة مثل “العضو العادي” و“العضو المميز”، مع امتيازات مثل لقاءات حصرية مع اللاعبين أو مشاهدة من وراء الكواليس، إنتاج محتوى ذو جودة عالية مثل فيديوهات تحليليّة، وثائقيات قصيرة عن النادي، قصص لاعبين، تاريخ النادي، جولات افتراضية، استثمار في التسويق الرقمي لجذب المشتركين من منطقة الشرق الأوسط والعالم".
تطوير مرافق ترفيهية وتجارية للأندية
فضل الله، قال: "إن الإدارات يمكنها استثمار النادي في مرافق متعددة الاستخدامات داخل أو حول ملعبه أو مركزه التدريبي (مثل فنادق، مطاعم، متحف النادي، متجر تجزئة للعلامة التجارية، ملاعب ترفيهية للأطفال، مدن ملاهي صغيرة، وتجهيزات مؤتمرات)، وهذا المشروع له 3 فوائد: أولها تحقيق دخل من أنشطة غير مرتبطة مباشرة بالمباريات، ثانيًا: جذب الزوار خارج أوقات المباريات، ثالثًا: تنويع الإيرادات لتشمل السياحة الرياضية، العائلات، والمؤتمرات".
من جانبه، استعرض طلال المغربي تجربته في الأمر، قائلاً: "الأندية الرياضية العالمية مثل آرسنال ومانشستر يونايتد تشتهر باستثمار المرافق المحيطة بملعبها، حيث تم إنشاء أبراج تجارية، فنادق، ومطاعم قرب الملاعب، ما يوفر دخلاً إضافيًا، في السعودية، يمكن للأندية الاستفادة من هذا النموذج، من خلال استثمار المناطق المحيطة بملاعبها في مشاريع تجارية مثل الفنادق، المقاهي، والمتاحف، على سبيل المثال، خلال أولمبياد لندن، استأجرت من نادي تشيلسي مكانًا لإقامة خيمة رمضانية لاستضافة العديد من الرياضيين".
تسويق العلامة التجارية وبضائع مرخّصة
المصدر الرابع غير التقليدي، حسبما يرى الدكتور فضل الله، هو توسيع نطاق بيع البضائع والمنتجات (تي شيرتات، قبّعات، إكسسوارات، نسخ موقّعة، منتجات رقمية، نسخ محدودة) خارج السعودية، مع توقيع اتفاقيات ترخيص مع ماركات عالمية، أو فتح متاجر في الخارج أو عبر الإنترنت، وتمكن فوائده في استغلال الشهرة المتزايدة للنادي على المستوى العالمي (في ظل انتداب نجوم عالميين وتحول النادي إلى علامة عالمية)، إلى جانب دخل من حقوق الترخيص (Licensing Fees) مع شركاء بيع التجزئة، وتحقيق دخل من البيع الإلكتروني العالمي.
استثمار المواهب وتأسيس نظام انتشار رياضي
بيَّن فضل الله، أن بناء نظام تطوير المواهب الداخلي والخارجي، يجلب دخلًا جديدًا من بيع اللاعبين أو إعارتهم، أو الحصول على نسبة من بيعهم مستقبلاً ("sell-on clause")، إلى جانب ذلك، يمكن تأسيس شبكة أكاديميات أو شراكات دولية مع أندية أو مدارس كرة قدم، بحيث يحصل النادي الأصلي على دخل أو مشاركة في الأرباح لاحقًاً، وهذا المشروع له 3 فوائد: دخل فعلي من صفقات بيع لاعبين أو من إعاراتهم، تقليل الاعتماد على الإنفاق المفرط، وتعزيز القيمة المالية للنادي كمنتج ومصدر للمواهب وليس فقط كمستهلك.
استضافة بطولات دولية ومخيمات تدريبية
قال فضل الله: "إن هذا الأمر يتطلب استضافة معسكرات ومخيمات تدريبية دولية للأطفال والشباب، وتنظيم بطولات ودّية دولية للنادي أو بمشاركة أندية أجنبية، رحلات جماهيرية، وتنظيم فعاليات رياضية خارج أوقات الموسم الاعتيادية. وفوائد هذا المشروع ثلاث، هي: دخل إضافي من الرسوم والمشاركين الدوليين، توسيع انتشار النادي في الأسواق الجديدة، وتعزيز اسم النادي كعلامة تجارية رياضية وليس فقط كمنافس محلي".
شراكات تجارية غير رياضية مبتكرة
أوضح الخبير الإستراتيجي الرياضي، أن المصدر السابع هو عقد شراكات تجارية مبتكرة – العلامة التجارية المشتركة (Co-Branding) والتجارب المخصصة، وذلك من خلال عقد شراكات مع علامات تجارية غير رياضية أو محتوى ترفيهي، لإنشاء منتجات أو خدمات تحمل اسم النادي أو شعار اللاعب، أو تجربة مخصصة للجماهير (Fan experiences) مثل "رحلة لاعب" أو "ليلة مع النجم"، وخدمات مميزة للأعضاء المميزين، وله فائدتين: أولاً، دخل من شراكات تجارية متعددة القطاعات (تكنولوجيا، ضيافة، سفر، سياحة، أزياء)، ثانيًا: خلق تجارب فريدة للأعضاء، ما يزيد الولاء والدخل.
تقديم الاستشارات مقابل مبالغ مالية
قال طلال المغربي: "إن من بين الإستراتيجيات التي يمكن للأندية السعودية تبنيها هي بناء علاقات تجارية وبحثية مع الجامعات والمؤسسات التعليمية، على سبيل المثال، نادي برشلونة لديه أكاديمية ومعامل للابتكار تعمل على تقديم الدراسات والأبحاث بالتعاون مع الجامعات وتقدم هذه الاستشارات والدراسات لأندية ومنظومات رياضية مقابل مبالغ مالية، وهذا الأمر يمكن أن تطبقه الأندية السعودية، خاصة الكبرى مثل الأهلي والاتحاد، مستغلة وجود كوادر عالمية في إداراتها".
الإيرادات تصل إلى 850 مليون ريال
توقع طلال المغربي تحقيق الأندية السعودية إيرادات سنوية تبدأ من 100 مليون ريال وتصل إلى 850 مليون ريال، قائلاً: "لو أخذنا النصر والهلال كعمق في العاصمة السياسية والاقتصادية والمناسبات العالمية، ستصل أرباحهما إلى ما بين 600 إلى 850 مليون ريال من الإيرادات غير التقليدية التي تحتاج إلى فهم واستدامة واستثمار من محاور التميز للنادي والمكان، بينما الأهلي والاتحاد من 500 إلى 600 مليون ريال، وأندية المدن المقدسة في مكة والمدينة من 200 إلى 300 مليون ريال، وأندية الخبر والدمام العمق الصناعي والسياحي والاقتصادي من 300 إلى 400 مليون ريال، والقصيم من 100 إلى 150 مليون ريال، بينما الجنوب ونجران من 80 إلى 100 مليون ريال وتزيد مع نمو البنى التحتية السياحية والاستثمارية للمدن. إجمالًا قد يصل التأثير الاقتصادي إلى 4.5 مليار ريال، بينما المساهمة في الناتج المحلي قد تصل من 6 إلى 8 مليار ريال سنويًا".

