ليس سهلاً الوصول إلى نهاية "معقولة" للخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين، رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي حدثت في الآونة الأخيرة، والتي سرعت إمكانية لقاء يبدو أنه لن يتم حالياً بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترمب والصيني شي جين بينج. ترمب لم يعد يرى على الأقل في الوقت الراهن، جدوى لهذا اللقاء، بعد "تصعيد" بكين، من خلال وضعها قيوداً صارمة على تصدير ما يعرف باسم "المعادن النادرة"، ما وضع الشركات الأمريكية المستوردة لها أمام مزيد من الصعوبات.
وبات واضحاً الآن، أن الأمل بحدوث انفراج ما بين الطرفين، تسرب من الساحة. فرغم كل الإشارات المتفائلة التي وزعها الرئيس الأمريكي بشأن العلاقات مع الصين، تأكد مرة أخرى، غياب الثقة الضرورية بين أكبر اقتصادين في العالم.
ستفرض واشنطن رسوماً جمركية جديدة على الصين تصل إلى 100%، بسبب تلك المعادن، وهي قادرة على ذلك، استناداً إلى ممارساتها فور وصول ترمب إلى البيت الأبيض. بعد فترة من الإشادات التي أطلقها هذا الأخير على نظيره الصيني، يقول اليوم "إن الصين أصبحت عدائية للغاية"، ما يعني أن جولة جديدة من المعارك الجديدة على وشك الانطلاق، في الوقت الذي لا يزال فيه الأداء الاقتصادي العالمي هشاً، مع توسع دائرة عدم اليقين، التي حذرت منها كريستينا جورجيفا رئيسة صندوق النقد الدولي أخيراً.
غير أن القيادة في الصين اعتادت على التزام المرونة عند اللزوم، ما يترك الباب مواربا أمام تفاهم معقول (وليس مثالياً) في المرحلة المقبلة، خصوصاً، أن واشنطن يمكنها أن تصعد أكثر على "جبهات" أخرى، مثل الطاقة وتعاون بكين مع النظام الإيراني، ومسائل جيوسياسية متعددة.
هل تتحمل الصين الفواتير الجمركية الأمريكية، في وقت هي في أمس الحاجة لعدم تراجع النمو المتواضع أصلاً فيها؟ هي اليوم تدفع أعلى تعريفات بين الدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة، والـ 100% الجديدة التي يهدد بها ترمب، ستعيق مزيداً من تدفق صادراتها إلى السوق الأمريكية التي تعد الأكبر على الإطلاق بالنسبة للسلع الصينية بكل أنواعها. حتى ترمب نفسه، أعلنها صراحة بأنه يجري النظر بجدية في عديد من التدابير الانتقامية الأخرى.
أي إنه مستعد للمضي قدماً إلى آخر مدى، لضمان إمدادات المعادن للشركات الأمريكية، التي انصاع بعضها فعلا لتوسيع ساحات انتاجه في البر الأمريكي، خوفاً من "انتقام" ترمب، الذي يسعى لإعادة ما استطاع منها إلى الولايات المتحدة.
قبل نهاية الشهر الجاري، ستتضح صورة العلاقة الجمركية الجديدة بين واشنطن وبكين، كما أنها ستحدد شكل المرحلة المقبلة التي قد تمتد لسنوات جديدة، بعد أن ساد الأمل باتفاق بين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين. صحيح أن الصين لها القدرة على الضغط من جهة المعادن النادرة الأساسية في التصنيع الأمريكي، لكن الصحيح أيضاً أن السياسة الاقتصادية الهجومية للبيت الأبيض، ستضر بكين إلى أبعد مدى. لا سبيل سوى التفاهم الذي يحتاجه العالم كما يحتاجه الطوفين.
كاتب اقتصادي