مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن خطته لإنهاء الحرب في غزة في أوائل هذا الشهر شهدت أسواق النفط تراجعاً حاداً في الأسعار، بسبب انحسار علاوة المخاطر الجيوسياسية التي كانت تحتسبها الأسواق نتيجة التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
الخطة التي تتكون من 20 نقطة رئيسية، تشمل وقف إطلاق نار فوري، وإطلاق سراح الرهائن وانسحابا تدريجيا من القطاع، وتشكيل هيئة انتقالية سميت بمجلس السلام برئاسة ترمب، قادت إلى اتفاق أولي تم التوصل إليه وأدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في عدة أشهر.
هذه الخطة أدت إلى تراجع فوري في أسعار النفط، حيث انحسرت علاوة المخاطر الجيوسياسية التي كانت تضيف ما بين 5 إلى 10 دولارات للبرميل بسبب المخاوف من تعطل الإمدادات في المنطقة. ففي 9 أكتوبر انخفض سعر خام برنت بنسبة 1.6% بعد توقيع الاتفاق الأولي، ليصل إلى 66 دولاراً للبرميل، بينما وصل انخفض خام غرب تكساس الوسيط إلى أقل من 62 دولاراً.
وبحلول 10 أكتوبر استمر الانخفاض حيث بلغ سعر خام برنت 63.5 دولار للبرميل مسجلاً أدنى مستوى له منذ يونيو 2025، بينما واصل خام غرب تكساس الوسيط هبوطه إلى تحت 60 دولارا. هذا التراجع يعكس تلاشي التوترات في مضيق هرمز ومناطق الإنتاج الرئيسية في المنطقة التي تحتضن أكبر مكامن النفط ومنابع الإنتاج.
وإذا افترضنا صمود هذا الاتفاق وتطبيق الخطة بكافة مراحلها دون معوقات أو مفاجآت أو انتكاسات فستعود السوق إلى مرحلة الاعتماد الكلي على أساسيات السوق وميزان العرض والطلب، كما ستعتمد على العوامل الخارجية المهمة المؤثرة في أسواق النفط مثل تطور الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكبرى الاقتصادات العالمية ومعدلات نمو الاقتصاد العالمي ومحركات النشاط الاقتصادي في الدول المستهلكة للنفط، وستعود بوصلة الأسواق إلى أساسيات الأسواق وحجم الإنتاج والمعروض وحجم المخزونات مقابل حجم الطلب على النفط.
حالياً يضغط الطلب الصيني الضعيف والفائض العالمي على الأسعار إلى انخفاض أعمق، فالاستقرار الجيوسياسي وارتفاع المخزونات العالمية بمعدل 2.6 مليون برميل يومياً في الربع الرابع تشكل عوامل ضغط إضافية على أسعار النفط.
ورغم أن رفع مستوى الإنتاج الأمريكي إلى مستوى 13.5 مليون برميل يومياً هذا العام الذي أشارت إليه بعض التوقعات يواجه تحديات جمة، حيث وصل الإنتاج الأمريكي إلى مرحلة الذروة ويحتاج إما إلى استثمارات أكبر وهي إن حصلت لن تظهر نتائجها على المدى المنظور، أو إلى تقنيات تغير قواعد اللعبة وترفع مستويات الإنتاج إلى مستويات أعلى كما حدث مع التزامن العملياتي بين تقنيات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي الذي أسهم في صعود إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي المقابل ما زالت التوقعات تشير إلى نمو في الطلب العالمي بمعدل 680 ألف برميل يومياً في 2025 و700 ألف في 2026 ليصل إلى 104.4 ملايين برميل يوميا، كما أن أوبك بدورها قررت أن تكون الزيادة في الإنتاج عند مستوى 137 ألفا في نوفمبر المقبل، ما أعطى مؤشرات إيجابية للأسواق فيما يتعلق بحجم المعروض.
وأخيراً، وإن زالت علاوة المخاطر الجيوسياسية بسبب خطة ترمب في منطقة الشرق الأوسط فإن الأسواق لا تزال تنظر إلى تطورات الحرب الروسية - الأوكرانية التي تؤثر في ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، كما أن العقوبات المقترحة على الاقتصاد الروسي من قبل الولايات المتحدة وأوروبا التي اعتمدت الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات المفروضة على روسيا ستحد من قدرة روسيا على تصدير النفط بحرية أكبر، وإن كانت الهند والصين ترحبان بأسطول الظل الروسي الذي يحمل النفط بخصومات جاذبة للتخزين والتكرير وتدوير أنشطة الصناعة في البلدين، هناك أيضاً عامل لا يجب إغفاله وهو الإنتاج الإيراني الذي تم إلغاء تعليق العقوبات الأممية عليه أخيراً، ما يشكل ضغطاً إضافياً على الإنتاج الإيراني الذي سيكون أكبر المتضررين من هذه العقوبات.
خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة