نايف الدندني
شهدت أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا بنهاية تعاملات هذا الأسبوع حيث انخفض سعر خام برنت إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل مسجلاً أدنى مستوياته منذ أربع سنوات حيث خسر أكثر من 18% من قيمته منذ بداية العام، بينما سجل خام غرب تكساس الوسيط 56 دولارًا في أسوأ أداء له في السنوات الأربع الأخيرة.
هذا الهبوط يأتي رغم تصاعد التوترات في منطقة الكاريبي خاصة مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حظرًا كاملاً على ناقلات النفط الفنزويلية المفروضة عليها عقوبات أمريكية وتصريحاته المتكررة حول “استعادة” حقوق النفط والأراضي الفنزويلية التي يراها “مسروقة” من الولايات المتحدة. فلماذا لم ترتفع الأسعار كما يتوقع عادة في ظل مثل هذه التوترات الجيوسياسية؟
يُعزى انخفاض الأسعار بشكل أساسي إلى فائض في العرض في السوق العالمية، يفوق بكثير أي مخاطر إمدادية قصيرة الأجل. فقد ارتفع الإنتاج العالمي بشكل ملحوظ في 2025، مدفوعًا بزيادة إنتاج دول خارج أوبك+ مثل الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا، إضافة إلى إعادة إنتاج أوبك+ الكميات المخفضة سابقًا رغم إعلان المنظمة تعليق الزيادات في الربع الأول من العام المقبل.
على الجانب الآخر يظهر الطلب تباطؤًا واضحًا، خاصة في الصين أكبر مستورد للنفط حيث انخفض النمو الاقتصادي وتباطأ النشاط الصناعي. كما أسهمت مؤشرات ضعف الطلب في الشرق الأوسط والولايات المتحدة في تعزيز الضغوط على أسعار النفط. هذه العوامل الأساسية تجعل السوق أشبه ما تكون بالمشبعة، تقلل من تأثير أي اضطرابات جيوسياسية محدودة النطاق.
ورغم أن التوترات في الكاريبي الناتجة عن الحظر الأمريكي على ناقلات فنزويلا أدت بالفعل إلى ارتفاع مؤقت في الأسعار بنسبة 1-2% في بعض الأيام، حيث يُقدر إنتاج فنزويلا بنحو 700-900 ألف برميل يوميًا ويصدر معظمه إلى الصين إلا أن هذا الارتفاع لم يستمر لأن حجم الإمدادات الفنزويلية يمثل أقل من 1% من الإنتاج العالمي، فالسوق قادرة على امتصاص هذا الفقدان بسهولة من خلال مصادر بديلة رغم محدودية الخام الثقيل الذي قد يأتي من كندا أو الشرق الأوسط.
أما تصريحات ترمب حول النفط الفنزويلي فهي تعكس ضغطًا سياسيًا على نظام مادورو لكنها لا تغير من الواقع الاقتصادي شيئاً، فقد أظهر التاريخ وخصوصاً الماضي القريب أن التوترات الجيوسياسية ترفع الأسعار فقط إذا أدت إلى اضطرابات فعلية واسعة النطاق ينتج عنها نقص حاد أو اختفاء كميات كبيرة من العرض أو إعاقة وصولها كما في حرب الخليج أو حرب أوكرانيا سابقًا. فالحظر الأمريكي امتداد لعقوبات موجودة منذ سنوات، دون تهديد مباشر لطرق الشحن الرئيسية مثل مضيق هرمز.
في اقتصادات النفط، يُحدد السعر بشكل أساسي بتوازن العرض والطلب، وليس بالمخاطر ووجود فائض يمنح السوق عامل أمان ضد الاضطرابات المحدودة. كما أن تقدم محادثات السلام في أوكرانيا يقلل من مخاوف إمدادات روسية إضافية، ما يعزز الضغط على الأسعار بتزايد توقعات عودة النفط الروسي للأسواق ليتحرك بحرية بعد رفع العقوبات عنه.
وقد تكون الإجابة عن السؤال المحير لكثيرين وهو كيف تهبط الأسعار رغم التوترات الجيوسياسية التي تظهر كعامل قوة يدفع بالأسعار؟ هي أن قوة الأساسيات وميزان العرض الطلب يتفوقان على المضاربات والتوترات الجيوسياسية.
وسنرى استمرارية في هذا الاتجاه ما لم يحدث اضطراب كبير، مثل تصعيد يؤثر في إنتاج دول كبرى، وهو ما يذكرنا بأن أسواق النفط، رغم حساسيتها للأحداث السياسية، تظل مدفوعة أولاً وأخيرًا بديناميكيات الاقتصاد العالمي وأساسيات الأسواق ومعادلة العرض والطلب.
خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة
