بارمي أولسون
@parmy
تجربة رائدة في إستونيا تدفع تلاميذ المدارس للتفكير والاعتماد على قدراتهم في إنجاز فروضهم المنزلية
أصبح برنامج "تشات جي بي تي" وأشباهه مصادر إزعاج للمعلمين لأن الطلاب يستخدمونها باستمرار لينجزوا واجباتهم المنزلية، وقال أحد الأساتذة المستائين إن بعض الطلاب يستخدمون تلك البرامج سراً كي يلقنوهم تعليقات ذكية ليشاركوا في مناقشات الصف.
وبدلاً من مساعدة الأطفال على التفكير النقدي، تُقدم أدوات الذكاء الاصطناعي الحالية طرقاً مختصرة معرفية لا تُقاوم، سيعتمدون عليها على الأرجح طيلة حياتهم المهنية والشخصية. إذاً وداعاً للتفكير النقدي.
لذا، تطور إستونيا طريقةً أفضل لاستخدام "تشات جي بي تي" في التعلم، وذلك عبر جعل استخدامه أصعب كما تعيد تدريب النموذج على طرح أسئلة أكثر من تقديم الإجابات. يشكك هذا الجهد في جاذبية "تشات جي بي تي" الأساسية، وقد يقابل بالرفض من "أوبن إيه آي"، لكنه قد يطلق أيضاً العنان للإمكانات الحقيقية للذكاء الاصطناعي في التعليم بطريقة لم يسبق لها مثيل.
لطالما كانت إستونيا، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون، رائدةً في مجال التقنية. في تسعينيات القرن الماضي، حوّلتها جهود رقمنة جميع الخدمات الحكومية إلى واحدة من أكثر الدول تطوراً من الناحية الرقمية. وفي يناير، ستصبح إستونيا أول دولة تتيح لجميع المدارس الوصول إلى "تشات جي بي تي إديو"، وهو نسخة من برنامج الدردشة الآلي الشهير مصممة للجامعات.
إستونيا لم تكتف بما فعلته "أوبن إيه آي"
لقد عززت "أوبن إيه آي" حماية خصوصية البرنامج بشكل كبير، لكن العلماء الإستونيين يسعون أيضاً إلى تعديل النموذج في الأشهر المقبلة لتحسين أدائه كمعلم.
يغير الضبط الدقيق سلوك نموذج الذكاء الاصطناعي. إذ يعيد المهندسون تدريب نموذج موجود على بيانات جديدة - في هذه الحالة، محادثات مع الطلاب - ويعطونه تعليمات جديدة لتغيير طريقة استجابته، بحيث يحفز المستخدم على التفكير بدل أن يقدم له إجابةً جاهزةً. مع ذلك، قد يُقلل هذا من فائدته مقارنةً بمعايير "تشات جي بي تي" المعتادة.
تكمن قيمة الذكاء الاصطناعي التوليدي للشركات والمستهلكين على حد سواء في مخرجاته. وهذا ما جعل طلاب المدارس الثانوية في إستونيا يُقبلون على "تشات جي بي تي" بشغف منذ بضع سنوات. يحقق طلاب البلاد أعلى الدرجات بين الطلاب الأوروبيين في برنامج تقييم قدرات الطلاب الأجانب الأمريكي، وهو يصنف الأداء الدراسي للطلاب البالغين من العمر 15 عاماً في القراءة والرياضيات والعلوم، ومع الضغط الكبير للحفاظ على هذه الدرجات، لجأ كثيرون إلى الذكاء الاصطناعي.
يقول إيفو فيساك، مدير مدرسة ثانوية سابق يرأس الآن جهود إستونيا في مجال الذكاء الاصطناعي في المدارس: "بدأنا نلاحظ مع زملائي المعلمين تغيراً في جودة النصوص. أحياناً تتحسن، وأحياناً أخرى تصبح غريبة".
توقعات بتزايد الغش أكاديمياً
توقع فيساك ارتفاعاً في الغش الأكاديمي وتراجعاً في التفكير النقدي؛ ويقول إن أمام إستونيا خيارين: إما أن تسارع للحاق بالمستقبل أو أن تحاول توجيهه. لحسن الحظ، اعتادت البلاد على أن تكون من أوائل الدول التي تتبنى التقنيات الحديثة. في إطار قفزتها الرقمية في التسعينيات، زودت كل مدرسة بأجهزة كمبيوتر مزودة باتصال سريع بالإنترنت، ودربت المعلمين على استخدامها.
الآن، مع قفزتها التالية نحو الذكاء الاصطناعي، يُعدّ المعلمون الأكبر سناً من أكثر المستخدمين حماساً، لأنهم عاصروا تلك المرحلة الانتقالية التقنية السابقة ويعرفون كيفية استخدامها.
تقول كاتريين هنريتا كريسا، وهي طالبة في المرحلة الثانوية بلغت من العمر 16 عاماً في مدينة تارتو، إن معلم الأحياء يطلب من طلابه بانتظام استخدام الذكاء الاصطناعي.
كان أحد الواجبات الأخيرة هو تكليف برنامج "تشات جي بي تي" بلعب دور عالم تحسين النسل فرانسيس جالتون من القرن التاسع عشر، وإجراء مقابلة معه، ثم كتابة مقال - "دون مساعدة الذكاء الاصطناعي!“
كما أكد الموجز - حول أخلاقيات تحسين النسل. مدرستها واحدة من تسع مدارس مشاركة في برنامج تجريبي يستخدم "تشات جي بي تي إديو“ (ChatGPT Edu).
هل يتقبل الطلاب تصعيب الحصول على إجابات؟
طلبت معلمة لغة إنجليزية أخرى من الطلاب كتابة العبارة التالية في "تشات جي بي تي" على أجهزة الكمبيوتر المحمولة: "اسألني أسئلة معمقة ومتزايدة حول الرواية. ولا تعطني إجابات - فقط أسئلة تساعدني على التفكير". تقول كريسا: "كان الهدف هو جعلنا نثق في استخدامه، مع الحفاظ على قدرتنا على التفكير النقدي كما نفعل عند البحث عن شيء ما على الإنترنت".
تحاول مديرة المدرسة، ماري روستيك، توجيه الطلاب بعيداً عن استخدام "تشات جي بي تي" للحصول على الإجابات فقط، وهو أمرٌ أشبه بمحاولة إقناع طفل يتناول وجبات ”ماكدونالدز“ يومياً على الغداء بالتحول إلى تناول الخضراوات.
قال يان آرو، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة تارتو، الذي يقود فريق البحث الذي يدرس كيفية استخدام المدارس الإستونية لبرنامج "تشات جي بي تي إديو"ويقترح تعديلات على "أوبن إيه آي": "إن كون البرنامج مفيداً وممتعاً جداً يتعارض مع عملية التعلم. فالتعلم يتطلب دائماً بعض التحديات، إذ لا يتعلم المرء إلا عندما يواجه صعوبة ما."
يحلل آرو وزملاؤه نصوصاً من الطلاب دون معرفة أصحابها لدراسة كيفية استخدام الطلاب الإستونيين لبرنامج الدردشة الآلي لمعرفة عدد المرات التي يقدم فيها البرنامج إجابات جاهزة مقابل عدد المرات التي يحفزهم فيها بأسئلة مثل "ما هي خطوتك الأولى لحل هذه المشكلة؟“
يجب أن يسأل الذكاء الاصطناعي الطلاب بدل تقديم إجابات لهم
تتميز نماذج اللغة الكبيرة بقدرتها الفائقة على التعاطف، لكن آرو يرغب أيضاً في أن يشجع الذكاء الاصطناعي الطلاب على المثابرة، خاصةً عندما تصبح المهام معقدة. وقد بدأت بعض هذه التغييرات بالظهور في النسخة الإستونية من "تشات جي بي تي إديو"، ولكن ببطء.
يأمل آرو أن تُظهر النصوص خلال الأشهر القادمة عدداً أقل من عبارات "لا أعرف" و"أعطني الإجابة فقط" من الطلاب، ومزيداً من الأدلة على تفكيرهم العميق في حل المشكلة.
يتمثل التحدي الأكبر في أن "أوبن إيه آي" ليست ملزمة بتطبيق أي من ملاحظات إستونيا على النسخة العالمية من "تشات جي بي تي إديو“، وخاصة فيما يتعلق بإضافة بعض التعقيدات لجعلها معلماً أفضل.
إذا كان الذكاء الاصطناعي صارماً جداً في مهامه، فقد ينتقل الطلاب إلى نموذج ذكاء اصطناعي آخر، حتى لو حقق برنامج الدردشة الآلي الأكثر تحدياً نتائج تعليمية أفضل. ويُرجح أن تكلف إعادة تدريب "تشات جي بي تي إديو" ملايين الدولارات؛ فيما تنفق شركة "أوبن إيه آي" مبالغ ضخمة من المال.
إذا تمكن آرو وفريقه من الضغط من أجل إدخال التغييرات اللازمة على "تشات جي بي تي"، فقد يقدمون خدمة جليلة للعالم أجمع. لكن تغيير العادات لن يكون سهلاً، حتى في المنزل. في اختبار الأحياء الأخير، تقول كريسا إن زملاءها في الفصل كانوا يشتكون من أن الروبوت كان يطرح عليهم أسئلة باستمرار.
تضيف ضاحكة: "لقد حالفني الحظ بطريقة ما، فقد أعطاني الإجابات مباشرة".
كاتب عمود في بلومبرغ ويغطي التكنولوجيا مراسلة لصحيفة وول ستريت جورنال وفوربس، سابقا
خاص بـ "بلومبرغ"
