نايف الدندني
تشكل المملكة العربية السعودية عماداً أساسياً في سوق النفط العالمية، إذ تُعد من أكبر مصدري النفط الخام وأحد أكبر مالكي الاحتياطيات النفطية في العالم والرئيس المشارك لتحالف ومجموعة أوبك+ واسع النفوذ والتأثير في أسواق النفط العالمية.
إيرادات الدولة بدورها ترتبط ارتباطًا وثيقاً بأسعار النفط رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها ولا زالت الحكومة في تنويع مصادر الدخل وتقليل اعتمادها على مداخيل النفط نظراً لتقلباته الحادة والقوية، هذا الموقع الفريد والقيادي البارز للسعودية والحجم الحالي لمداخيل النفط ينعكس بلا شك على أداء سوق الأسهم المحلية وعلى مؤشر تداول سوق الأسهم السعودية (تاسي) الذي يضم أكثر من 200 شركة مدرجة مع وزن كبير لقطاع الطاقة بقيادة أرامكو السعودية وقطاع البتروكيماويات إلى جانب القطاع المصرفي. معامل الارتباط بين سوق الأسهم السعودية وأسعار النفط العالمية أظهر أن هذه العلاقة دائماً ما كانت قوية ومترابطة.
ففي 2020 أدى انهيار أسعار النفط إلى هبوط قوي بسوق الأسهم السعودية وصل إلى أدنى مستوياته ما أظهر ارتباطا قويا وعالي التأثير. كما أظهر انتعاش أسعار النفط بين العامين 2021 و 2023 فوق مستوى الـ3 خانات أو المائة دولار انتعاشاً دفع مؤشر الأسهم السعودية إلى قمم تاريخية لم يصلها منذ انهيار 2006 وتجاوز المؤشر حاجز 13 ألف نقطة.
وتسبب تراجع أسعار برنت إلى نطاق 60-75 دولاراً في العامين الأخيرين بسبب فائض العرض والطلب الضعيف بتأثير سلبي في تاسي الذي شهد تصحيحات ملحوظة رغم دعم عوامل أخرى مثل خفض أسعار الفائدة العالمية، ونمو القطاع غير النفطي بنسب تجاوزت 4-5%.
لقد أظهر معامل الارتباط بين سوق الأسهم السعودية وأسعار النفط العالمية أن درجة العلاقة الخطية بين تغيرات أسعار النفط وتغيرات مؤشر تاسي يتراوح بين -1 و+1، حيث يدل الرقم الإيجابي على ارتباط مباشر، والسلبي على ارتباط عكسي.
وأظهرت معاملات ارتباط إيجابية متوسطة إلى منخفضة، تتراوح بين 0.30 و0.40 على المدى الطويل حتى منتصف العقد الماضي. على سبيل المثال، سجل الارتباط نحو 0.355 خلال الفترة من 2007 إلى 2015، ما يعني أن النفط يفسر نحو ثلث تقلبات السوق. ومع تقدم رؤية 2030 ونمو القطاعات غير النفطية، شهد الارتباط تراجعاً نسبياً في بعض الفترات إلا أنه ظل إيجابياً بشكل عام.
في العاميين الماضيين سجل الانخفاض في أسعار برنت بنحو 17% ضغوطاً ملحوظة على تاسي، لكن القطاعات غير النفطية كالتعدين والتقنية والسياحة خففت من حدة التأثير، ما يشير إلى ارتباط يقارب 0.25-0.35 في المتوسط السنوي.
تنتقل تأثيرات أسعار النفط إلى سوق الأسهم عبر قنوات متعددة، أهمها إيرادات الميزانية الحكومية حيث يشكل النفط منها أكثر من نصف الإيرادات حتى اليوم. فارتفاع الأسعار يعزز الإنفاق على المشاريع الضخمة ويوفر حجما كبيرا من الأموال في الأسواق ما يحفز النمو غير النفطي ويدعم أسهم الشركات المستفيدة.
أما ثاني أهم قنوات التأثير فهي أرباح وأداء الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية حيث تستفيد شركات مثل أرامكو السعودية وشركات البتروكيماويات مباشرة من ارتفاع الأسعار، وتمثل هذه الشركات وزناً كبيراً في المؤشر.
وثالث قنوات التأثير هي السيولة والثقة فانخفاض أسعار النفط يثير مخاوف من عجز ميزاني، فيقلل السيولة في القطاع المصرفي ويضغط على أسهم البنوك.
ومع رؤية 2030، يتراجع الاعتماد على النفط تدريجياً، ما تجعل السوق أكثر مرونة أمام التقلبات النفطية ويضع وزنا اكبراً لمصلحة متانة الاقتصاد وحجم الاستثمارات وأداء الشركات وحوكمة السوق المالية.
خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة
