ساد التشكيك في مكانة الدولار بعد حرب الرسوم الجمركية لكن الأرقام تثبت أنه في تقدم لا تراجع
• الدولار ليس محصناً ضد التحديات وهو محوري للتجارة، لكن مدى هذه المركزية قد يتضاءل.
• تقدم اليوان بدفع حثيث من بكين يستحق الاهتمام، لكنّه لا يزال بعيداً عن الوصول إلى مبتغاه
الخلاصة
رغم فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية، حافظ الدولار على مكانته كأكثر العملات تداولاً عالمياً بنسبة تزيد على 89% وفقاً لبنك التسويات الدولية. تراجع اليورو قليلاً، بينما ارتفع اليوان الصيني إلى 8.5%. رغم التحديات، يظل الدولار مركزياً في التجارة العالمية، فيما تسعى الصين إلى تعزيز دور اليوان على المدى الطويل.
إن القول إن وضع الدولار لا يزال قائماً كما كان وصف لا يطابق الواقع. فرغم التشاؤم الذي ساد بعد فرض البيت الأبيض رسوماً جمركية شاملة، لم يثبت فقط أن الدولار راسخ في آلة المال العالمية كما كان دائماً، بل ظهر أن استخدامه أصبح أوسع انتشاراً.
لعلّ الأمل بأن تفكير جوقة "بيعوا أمريكا“ مبالغ فيه بعدما علا صوتها هذا العام. لكن بنك التسويات الدولية قال كلمته، فقد أظهر المسح الذي يُجريه البنك كل 3 سنوات لسوق العملات، وهو المصدر الأكثر شمولاً لحجم وهيكل السوق، أن حصة الدولار كانت أعلى من 89.2% في جميع الصفقات، بزيادة طفيفة عن نتيجة 2022. وانخفضت حصة اليورو قليلاً إلى 28.9%، بينما استقر الين في المركز الثالث دون تغيير يُذكر، وفقاً للتقرير.
هذا ليس أداءً سيئاً، لا سيما بالنظر إلى أن الاستطلاع معدّ في أبريل، وهو الشهر الذي سعى فيه الرئيس دونالد ترمب إلى قلب نظام التجارة العالمي رأساً على عقب بفرض رسوم باهظة على الواردات الأمريكية.
التقلبات الكبيرة - حيث انخفض الدولار بحدة وارتفعت عوائد السندات بجلاء - وصدمة مسرحية يوم التحرير، دفعت بعض المستثمرين إلى القول إن هذه كانت بداية النهاية لهيمنة الدولار الطويلة.
سيُظهر الوقت ذلك، لكن لا يوجد في هذه الأرقام ما يشير إلى أن خلع الدولار وشيك. يبدو أن المعسكر المناهض للدولار، الذي انزعج على مر السنين بسبب العجز الكبير وظهور اليورو وانهيار الرهن العقاري عالي المخاطر كحجج للخروج من الدولار، قد ثبت أنه صيحة جوفاء مجدداً.
إن أرقام بنك التسويات الدولية حجة ضد فكرة أخرى لن تتلاشى وهي أن القادة لا يستطيعون فقط كبح جماح المستثمرين، بل أيضاً هندسة عمليات إعادة تنظيم شاملة لأسعار الصرف. تبلغ قيمة التداول الآن 9.6 تريليون دولار يومياً، بزيادة قدرها 28% مقارنة مع ما كانت عليه منذ 3 سنوات.
مبالغات المخاوف والآمال انكشفت
إن الحجم الهائل للسوق يعني أن سياسات إضعاف العملات الرئيسية بشكل كبير، بل وحتى تقويضها على غرار اتفاقية بلازا قبل 4 عقود، هي معركة شاقة.
بينما جعلت الفوضى التي أطلقها ترمب شهر الاستطلاع متقلباً على وجه الخصوص، يمكن قول الشيء نفسه عن تقرير 2022، الذي أُعدّ في أعقاب بدء الحرب الروسية لأوكرانيا. لكن هذا التوجه لا جدال فيه: لقد أظهر استطلاع 1995 سوقاً بقيمة 1.5 تريليون دولار يومياً، وهي قيمة صغيرة نسبياً.
لا ينبغي أن يُعكس هذا على أنه مؤشر على دعم ترمب. كما لا يعني أن الدولار محصن ضد التحديات. يمكن أن يكون محورياً للتجارة، لكن مدى هذه المركزية قد يتضاءل. بالمثل، فإن سندات الخزانة، المخزن الرئيسي للقيمة في العالم ما يزال آمناً لكنه في الوقت نفسه، أقل أماناً مما كان عليه قبل 2 أبريل.
أوجه القصور لدى المنافسين المحتملين لها تأثير كبير. ألقى وزير الخزانة الأمريكي السابق لاري سامرز نكتة أمام جمهور في كلية دارتموث العام الماضي، حيث قال إن أوروبا متحف واليابان دار رعاية والصين سجن وبيتكوين تجربة.
كانت تلك كلمات قاسية، لكن الرسالة كانت منصفة: إذا ما تماسكت إحدى هذه الدول، فستواجه الأصول الأمريكية منافسة شرسة. هذا ليس أمراً سيئاً بالضرورة. فاتساع وعمق سوق سندات الخزانة الأمريكية يعنيان أن واشنطن قادرة على الاقتراض على نطاق من شأنه أن يعيق أي دولة أخرى.
في حين أن الدولار الأمريكي موجود في كل مكان، إلا أن هناك فائزاً آخر على الأقل في تقرير بنك التسويات الدولية. فقد شكّل اليوان الصيني 8.5% من المعاملات، بزيادة عن 7% في 2022. وما تزال هذه النسبة ضئيلة مقارنةً بالعملات الكبرى، لكنها الآن قريبة جداً من الجنيه الإسترليني، الذي انخفضت حصته إلى 10.2%.
مسعى بكين لتعزيز مكانة اليوان
أحد أهداف بكين طويلة المدى هو تعزيز جاذبية اليوان عالمياً، وتشير هذه النتائج إلى أن المسؤولين يُحرزون بعض التقدم. (على الرغم من معاناة الجنيه الإسترليني، ظلت لندن هي المكان الأمثل؛ إذ استحوذت العاصمة البريطانية على 38% من إجمالي حجم التداول).
مهم عدم الانجراف وراء مكاسب اليوان. وقد تكون الأرقام مُبالغاً فيها بسبب ضخ المستثمرين المحليين أموالهم في أسهم هونج كونج، كما يفسر جوليان إيفانز بريتشارد من ”كابيتال إيكونوميكس“.
بلغت حصة اليوان من معاملات الدفع العالمية المُسجلة لدى جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) 2.9% فقط في أغسطس. كتب إيفانز بريتشارد في مذكرة يوم الخميس الماضي: "الصورة العامة هي أن رغبة الأجانب في استخدام الرنمينبي أو الاحتفاظ بالأصول التي يُهيمن عليها الرنمينبي لا تزال محدودة".
وقد عززت بكين أخيرا جهودها الرامية إلى إقامة نظام مالي جديد تتنافس فيه بضع عملات على قدم المساواة تقريباً - وهي حيلة مضادة للدولار بوضوح. هذا الطموح مُقنعٌ فقط على المدى البعيد. اليوان يستحق الثناء، لكنّه ما يزال بعيداً عن مبتغاه.
الخلاصة هي أن آمال جوقة ”بيعوا أمريكا“ لا تزال بعيدة المنال.
كاتب في بلومبرغ أوبينيون، يُغطي الاقتصادات الآسيوية. رئيس التحرير التنفيذي لأخبار بلومبرغ للاقتصاد العالمي، وقاد فرقًا في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية سابقا
خاص بـ " بلومبرغ"