اهتمت بلادنا مبكرًا بالطرق، سواء داخل المدن أو تلك التي تربط بين المناطق المترامية الأطراف. وقد بدأ ذلك منذ عهد الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ انطلاقًا من الحاجة إلى ربط المدن بعضها ببعض، وبخاصة ربطها بمكة المكرمة. ولذا اعتمد، بشكل عاجل، تعبيد الطريق الرابط بين جدة ومكة المكرمة بأمر من الملك عبدالعزيز، وذلك 1926، وتبعه في العام نفسه الطريق الذي يصل القصيم بالمدينة المنورة. وبعدها بـ3 سنوات، عُبِّد الطريق بين الرياض والأحساء.
وبعد هذه الخطوات المحدودة التي نُفذت بإشراف إدارة للطرق، تم تأسيس وزارة للطرق تحت مسمى وزارة المواصلات 1953، واستمرت بهذا الاسم حتى عُدِّل في 2003 إلى وزارة النقل، وفي 2021 تم تعديل المسمى إلى وزارة النقل والخدمات اللوجستية، التي يتولاها حاليًا المهندس صالح الجاسر. وقد تعاقب على الوزارة منذ تأسيسها وزراء تجمعهم صفات إيجابية، من أهمها الإخلاص والعمل الميداني.
وأشدد على صفة العمل الميداني؛ لأنني عرفتهم عن قرب، وخاصة الدكتور ناصر السلوم، الذي كان يفضل أن يركب سيارته بعد انتهاء الدوام، ومعه من يتقدم باقتراح أو شكوى حول طريق معين، ليقف عليه بنفسه، ثم يضع مخطط الطريق على مقدمة سيارته ويرسم بيده الحل المطلوب -رحمه الله- وأعان الوزير الحالي الذي يطبق النهج نفسه، إذ ينتقل بين المناطق ليقف بنفسه على مشاريع الوزارة التي تُقدَّر بآلاف الكيلومترات، في مناطق متباعدة بين الوديان والجبال، وعلى جسور تعبر العقبات، وبخاصة في المناطق الجبلية الواقعة في جنوب السعودية.
وهذا التمكين من القيادة، والإيمان بأهمية ربط البلاد بشبكة من الطرق وتسهيل التنقل بين أرجاء هذه الدولة العظيمة حجمًا ومكانة، أسفر عن شبكة طرق ضخمة تبلغ أطوالها أكثر من 66 ألف كيلومتر، منها 5 آلاف كيلومتر طرق سريعة، و49 ألف كيلومتر طرق مفردة، و12 ألف كيلومتر طرق مزدوجة. ويضاف إلى ذلك اكتمال منظومة النقل والخدمات اللوجستية، واعتماد إستراتيجيتها وبنائها التشريعي والمؤسسي، بوصفه عنصرًا آخر من عناصر التمكين.
وهذان العنصران يفسران وصول السعودية إلى المرتبة الرابعة بين دول مجموعة العشرين في مؤشر جودة الطرق، حيث إن 77% من الطرق في السعودية تلبي معايير السلامة، متجاوزة النسبة المستهدفة التي بلغت 66% في العام الماضي.
ومع مستهدفات رؤية السعودية 2030، ارتفع سقف الطموح، وانتقل المعيار إلى الإتقان والكفاءة العالية في التخطيط والإنشاء والصيانة، بما يكفل تحقيق جودة الحياة، التي تُعد من أهم برامج الرؤية التي يرعاها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، ويتابع تنفيذها بكل اهتمام.
والأمر الآخر الذي يمكن أن يُقاس به المنجز في شبكة الطرق هو كفاءة الاستخدام والأداء من سالكي الطريق، وهو ما يشهد عليه ـ ولله الحمد ـ انخفاض معدل الوفيات الناتجة عن الحوادث بنسبة 7.1% مقارنة بعام 2023، كما تراجع معدل الإصابات في الحوادث المرورية بنسبة 3.8%، وفقًا للهيئة العامة للإحصاء.
وأخيرًا، فإن هذا المتحقق المميز يحفزنا للمزيد، ويجعل بلادنا وساكنيها وزائريها يتطلعون باستمرار إلى دوام المحافظة على جودة الطرق وصيانتها. وكان ذلك أحد الأسباب التي دعت إلى إنشاء هيئة عامة للطرق تابعة للوزارة، تتولى استكمال تطوير شبكة الطرق، ورفع جودتها ومستوى السلامة المرورية فيها، والإشراف على الجوانب التشريعية والتنفيذية الخاصة بها.
ويتطلع سالكو الطرق إلى اضطلاعها بدورها في المحافظة على جودة الطرق، وتطبيق كود الطرق السعودي، واعتماد مؤشرات لقياس رضا المستخدمين، ومتابعة المشاريع المتعثرة، أو الطرق التي تحتاج إلى إعادة نظر في هندستها وصيانة المتضرر منها، خصوصًا تلك التي تتعرض لاستخدام مكثف من الشاحنات.
فهذه الشاحنات نحتاج جميعًا إلى تسهيل حركتها دعمًا للحركة الاقتصادية ونقل البضائع، مع عدم الإضرار بسلامة الطرق وجودتها، لما لذلك من أثر مباشر على راحة سالكيها وسلامة مركباتهم. كما تبرز ضرورة دراسة الحاجة إلى التوسع في الطرق التي تخدم حركة الشاحنات، إذا تعذر استبدالها بالنقل عبر سكك الحديد، التي تضمنت إستراتيجية النقل تصورًا للتوسع فيها.
كاتب اقتصادي
